تفسير سورة البقرة - الآية: 17
الثلاثاء يونيو 25, 2013 10:39 pm
تفسير سورة البقرة - الآية: 17 |
(مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلماتٍ لا يبصرون "17") |
يريد الحق سبحانه وتعالى أن يقرب صفات التمزق في المنافقين إلي فهمنا، ولذلك فهو يضرب لنا الأمثال، والأمثال جمع مثل وهو الشبيه الذي يقرب لنا المعنى ويعطينا الحكمة، والأمثال باب من الأبواب العريقة في الأدب العربي. فالمثل أن تأتي بالشيء الذي حدث وقيل فيه قولة موجزة ومعبرة، رأى الناس أن يأخذوا هذه المقولة لكل حالة مشابهة. ولنضرب مثلا لذلك، ملك من الملوك، أراد أن يخطب فتاة من فتيات العرب، فأرسل خاطبة اسمها عصام لترى هذه العروس وتسأل عنها وتخبره، فلما عادت قال لها ما وراءك يا عصام؟ أي بماذا جئت من أخبار، قالت: له أبدي المخض عن الزبد. المخض هو أن تأتي باللبن الحليب وتخضه في القربة حتى ينفصل الزبد عن اللبن، فصار الاثنان ـ السؤال والجواب ـ يضربان مثلا. تأتي لمن يجيئك تنتظر منه أخبارا فتقول له: ما وراءك يا عصام. ولا يكون اسمه عصام .. ولم ترسله لاستطلاع أخبار، بينما تريد أن تسمع ما عنده من أخبار. وحينما تريد مثلا .. أن تصور تنافر القلوب .. وكيف أنها إذا تنافرت لا تلتئم أبدا .. ويريد الشاعر أن يقرب هذا المعنى فيقول: أن القلوب إذا تنافر ودها مثل الزجاجة كسرها لا يشعب (أي لا يجبر) وساعة تنكسر الزجاجة لا تستطيع إصلاحها .. ولكي يسهل هذا المعنى عليك وتفهمه في يسر وسهولة .. فإنك لا تستطيع أن تصور أو تشاهد معركة بين قلبين .. لأن هذه مسألة غيبية .. فتأتي بشيء مشاهد وتضرب به المثل .. وبذلك يكون المعنى قد قرب .. لأنك شبهته بشيء محسوس .. تستطيع أن تفهمه وتشاهده.. ولقد استخدم الله سبحانه وتعالى الأمثال في القرآن الكريم في أكثر من موضع .. ليقترب من أذهاننا معنى الغيبيات التي لا نعرفها ولا نشاهدها .. ولذلك ضرب لنا الأمثال في قمة الإيمان .. وحدانية الله سبحانه وتعالى .. وضرب لنا الأمثال بالنسبة للكفار والمنافقين .. لنعرف فساد عقيدتهم ونتنبه لها .. وضرب لنا الأمثال فيما يمكن أن يفعله الكفر بالنعمة .. والطغيان في الحق .. وغير ذلك من الأمثال .. قال الله تعالى: {ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثلٍ فأبى أكثر الناس إلا كفرواً "89" } (سورة الإسراء) وقد ضرب الله جل جلاله لنا الأمثال في الدنيا وفي الآخرة، وفي دقة الخلق .. وقمة الإيمان .. ومع ذلك فإذا الناس منصرفون عن حكمة هذه الأمثال .. كافرون بها .. مع أن الحق تبارك وتعالى .. ضربها لنا لتقرب لنا المعنى .. تشبيها بماديات نراها في حياتنا الدنيا .. وكان المفروض أن تزيد هذه الأمثال الناس إيمانا .. لأنها تقرب لهم معاني غائبة عنهم .. ولكنهم بدلا من ذلك ازدادوا كفرا!! ولابد قبل أن نتعرض للآية الكريمة: "مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون" .. أن نتحدث عن بعض الأمثال التي ضربت في القرآن الكريم .. لنرى كيف أن الله سبحانه وتعالى حدثنا عن قضايا غيبية بمحسات دنيوية: ضرب الله تبارك وتعالى لنا مثلا بالقمة الإيمانية .. وهي أنه لا إله إلا الله .. وكيف أن هذه رحمة من الله سبحانه وتعالى .. يجب أن نسجد له شكرا عليها لأن فيها وقاية لنا من شقاء .. ومع ذلك فإن الله تبارك وتعالى يريد بعباده الرحمة، ولكن بعض الناس يريد أن يشقي نفسه فيشرك بالله جل جلاله .. وبدلا من أن يأخذ طريق الإيمان الميسر .. يأخذ طريق الكفر والنفاق والشرك بالله الذي يملك كل شيء في الدنيا والآخرة .. يقول الحق جل جلاله: {ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجلٍ هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون "29" } (سورة الزمر) بهذه الصورة المحسة التي نراها .. ولا يختلف فيها اثنان .. يريد الله تبارك وتعالى أن يقرب إلي أذهاننا صورة العابد لله وحده، وصورة المشرك بالله .. ويعطينا المثل في عبد مملوك لشركاء .. رجل مملوك لعشرة مثلا .. وليس هؤلاء الشركاء العشرة متفقين .. بل هم متشاكسون أي أنهم مختلفون .. ورجل آخر مملوك لسيد واحد .. أيهما يكون مستريحا يعيش في رحمة؟ .. طبعا المملوك لسيد واحد في نعمة ورحمة .. لأنه يتبع أمرا واحدا ونهيا واحدا .. ويطيع ربا واحدا .. ويطلب رضا سيد واحد .. أما ذلك الذي يملكه شركاء حتى لو كانوا متفقين .. سيكون لكل واحد منهم أمر ونهي .. ولكل واحد منهم طلب .. فما بالك إذا كانوا مختلفين؟ أحد الشركاء يقول له تعال .. والآخر يقول له تأت، وأحد الشركاء يأمره بأمر، والآخر يأمره بأمر مناقض .. ويحتار أيهما يرضي وأيهما يغضب؟ .. وهكذا تكون حياته شقاء وتناقضا.. إن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقرب لنا الصورة .. في قضية هي قمة اليقين .. وهي الإيمان بالواحد الأحد .. يريدنا أن نلمس هذه الصورة .. بمثل نراه ونشهده .. وأن نرى فيض الله برحمته على عباده .. ويمضي الحق سبحانه ليلفتنا إلي أن نفكر قليلا في مثل يضربه لنا في القرآن الكريم: {وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم "76"} (سورة النحل) فالحق تبارك وتعالى في هذه الآية الكريمة .. يطلب منا أن نفكر في مثل مادي محسوس .. أيهما خير؟ .. أذلك الصنم الذي يعبده الكفار وهو لا يأتي لهم بخير أبدا .. لأنه لا يستطيع أن ينفع نفسه فكيف يأتي بالخير لغيره .. بل هو عبء على من يتخذونه إلها .. فإنهم يجب أن يضعوه وأن يحملوه من مكان إلي آخر إذا أرادوا تغيير المعبد أو الرحيل .. وإذا سقط فتهشمت أجزاء منه .. فإنه يجب أن يصلحوها.. إذن فزيادة على أنه يأتي لهم بخير .. فإنه عبء عليهم يكلفهم مشقة .. ويحتاج منهم إلي عناية ورعاية.. أعبادة مثل هذا الصنم خير؟ أم عبادة الله سبحانه الذي منه كل الخير وكل النعم .. والذي يأمر بالعدل .. فلا يفضل أحدا من عباده على أحد .. والذي يعطي لعباده الصراط المستقيم .. الذي لا اعوجاج فيه .. والموصل إلي الجنة في الآخرة .. أن الله سبحانه وتعالى يشرح بهذا المثل غباء فكر المشركين الذين يعبدون الأصنام ويتركون عبادة الله تبارك وتعالى. |
- Ahmed Vekoالمدير العام
- مســآهمآتي : 847
تاريخ التسجيل : 14/12/2013
العمر : 36
_da3m_1
الخميس ديسمبر 19, 2013 7:36 am
موضوع رائع بوركت
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى