مذكرة تخرج بناء القصيدة في صدر الإسلام 2013 2014
الخميس يناير 24, 2013 5:20 pm
البناء الفني للقصيدة العربية في صدر الإسلام قصيدة البردة أنموذجا
فهرس المحتويات :مقدمة............................................. .............................
مدخل.............................................. ............................
الفصل الأول: الإسلام و الشعر
توطئة .................................................. .......................
موقف القرآن من الشعر .................................................. ..... .
موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الشعر ..................................
رأي الصحابة في الشعر............................................. ..........
دور الشعر في تلك الفترة............................................ ...........
الفصل الثاني : فنيات القصيدة في صدر الإسلام
المبحث الأول: البناء الفني الداخلي للقصيدة:
1/ الأسلوب........................................... ..........................
الألفاظ والمعاني.......................................... .......................
2/الموضوع........................................... ..........................
الأغراض الشعرية:.
_المدح............................................ ..............................
_الفخر والحماسة.......................................... .....................
_الهجاء........................................... .............................
_الرثاء........................................... ..............................
_النقائض.......................................... .............................
_المغازي و الفتوح............................................ .................
_الحكمة........................................... ............................
_الزهد والورع............................................ ....................
_الغزل............................................ ............................
المبحث الثاني: البناء الفني الخارجي للقصيدة :
1/الشكل............................................. ........................
2/الوزن............................................. ........................
3/القافية........................................... ..........................
الفصل الثالث: نموذج تطبيقي _بانت سعاد_
القصيدة........................................... ...........................
لمحة عن حياة الشاعر............................................ ...........
مناسبة القصيدة........................................... ...................
تحليل سيميائي للقصيدة........................................... ........
تحليل أسلوبي للقصيدة........................................... .........
خاتمة............................................. ........................
مدخل واقع الشّعر في الجاهليّــــــة
اعتبـر الشّـعر منـذ القديم فن العربيّـة الأوّل ؛ وأكثـر فنـون القول هيمنة علـى السّـاحة الأدبيـة عند العرب ؛ويعـد وثيـقة تـاريخيّة يعتمـد
عليـها فـي التّعرّف علـى أحوال العرب الإجتمـاعيّـة وبيئتهـم البدويّة
الصّحراويّـة وتاريـخهم.......
يؤرّخ لهـذا الفـن بمائة وخمسيـن سنة قبـل البعثـة المحمّديـة أي قبـل مجيء
الإسـلام ؛ ويطلق علـى هذه الفترة الزّمنـيّة بالعصر الجاهلـي وهو "ذلك
الذّي لم يكـن لبـلاد العـرب فيه ناموس وازع ولا نبـيّ ملهـم ولا كتاب
منزّل."
وقـد حظّ الشّعر في هذه الفتـرة بمكـانة مرموقـة و أهمّيـة كبيرة في حياة
العربي فكان "ديوان العرب الذّي سجّلوا فيه أخبارهم و عاداتهم وعقليّتهم ؛
ودوّن فيه الشّاعر كلّ ما رأى وما شعر."
وولادة هذا الجنس الأدبي كانت ولادة جنينيّة مرّت بمراحل واتّخذت زمانا
لتصل إلى ذروة الكمال والتّربّع على عرش الأدب آنذاك ؛ولم يكن لأوائل
الشّعراء إلاّ الأبيات يقولها الر ّجل عند حدوث الحاجة ؛ومن قديم الشّعر
قول دويد بن نهد القضاعي
اَْليَوْمَ يُبْـنَى لِدُوَيْدٍ بَيْـتَهُ لَوْ كَانَ الدَّهْرُ بَلَى أَبْلَيْتُهُ
َأوْ كَانَ قَرِينِي وَاحِدٌ كَفَيْتُهُ يَا ربُّ نًهْبٌ صَالِحُ حَوَيْتُهُ
وَرُبََّّ عَبْـلٍ خَشِـنٍ لَوَيْتُـهُ
وذكر صاحب الجمهرة أنّ أوّل أبيات شعريّـة قيلت:
"تَغَيَّـرَتِ البِـلاَدُ وَمَـنْ عَلَيْـهَا فَـوَجْهُ اْلأَرْضِ مُعْـبِرٌ قَبِيـحُ
َتَغَيـَّرَ كُلُّ ذِي َلـوْنٍ وَطَعْـمٍ وَقَـلََّ بَشَاشَةُ اْلوَجْـهِ الصََّبِيحِ
وذكر أنّ إبليس أجاب آدم عليه السّلام بهذه الأبيات:
تَنَـحَّ عَنِ اْلجِنَانِ وَ سَاكِنِيهَـا فَفِي اْلفِرْدَوْسِ ضَاقَ بِكَ اْلفَسِيحُ
َوكُنْتَ بِهَا وَزَوْجُكَ فِي رَخَاءٍ وَقَلْـبُكَ مِـنْ أَذَى الدَّنْيَا مُرِيحُ
فََمَا بَرِحْتَ مُكَايَدَتِي وَمَكْرِي إِلَى أَنْ فَاتَـكَ الثَّـمَنُ الرَّبِيـحُ"
ولعلّ أقدم شاعر هو الّذي ذكره امرؤ القيس في قوله:
"عَوِّجَا عَلَى طَلَلِ الدِّيَارِ لَعَلَّنَا نَبْكِي الدِيَارَ كَمَا بَكَى ابْنُ حُذَامُ
هو رجل من طيء لم نسمع شعره الذّي بكى فيه ولا شعرا غير هذا الذّي ذكره امرؤ القيس."
وقد اختلفت وتعدّدت الآراء حول كيفية ولادة الشّعر العربي ؛فذهب فريق إلى
القول بأنّ العربي كان يحبّ الغناء نظرا لبيئته الصّحراويّة الجافة؛ فنشأ
معه الشّعر ؛ويرى آخرون أنّ الشّعر تولّد من فنون القول الأخرى" فبدأ
الإيقاع في الجاهليّة سجعا، فالسّجع هو الشّكل الأوّل للشّفويّة الشّعريّة
الجاهليّة؛ وتلاه الرّجز الذي كان يقال إمّا بشطر واحد كالسّجع لكن بوزن ذي
وحدات إيقاعيّة منتظمة وإمّا بشطرين."
فيما يرى آخرون أنّ الشّعر ولد على ظهر الإبل ؛حيث كانت العرب تقطع
المسافات الطّوال وتقول الشّعر تماشيا مع خطوات النّوق؛ فالشّعر في هذه
المرحلة كان"حديث الميلاد صغير السّنّ أوّل من نهج سبيله وسهّل الطّرق إليه
امرؤ القيس بن حجر ومهلهل بن ربيعة" كان سجلّ العرب ومرآة صادقة صوّرت
حياتهم الجاهليّة إنّه"علمهم الأوّل الذّي تفوّقوا فيه على بقيّة
الأمم........"
وقد حظي الشّعر بمكانة مرموقة وقدر رفيع؛ فكانت القبائل العربية تعتزّ
بالشّعر والشّعراء؛ فأمّا اعتزازهم بالأوّل –الشّعر- فلأنّه خلّد مآثرها
وسجّل تاريخها ؛وأمّا اعتزازها بالثّاني-الشعراء- فلأنّهم مثّلوا لسان
القبيلة التّي به عبّرت عن أمجادها وذادت بـه عن حماها "فكانت القبيلة من
العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنّأتها وصنعت الأطعمة وأتت النّساء
يلعبن بالمزاهر .........وكانوا لا يهنئون إلاّ بغلام يولد ؛ أو شاعر ينبغ
أو فرس تنتج."
وبذلك كان الشّاعر أعلـى مرتبة و أعلـى قدرا من الخطـيب ؛ لأنـه كان
المفـاخر بقبليتـه والمدافـع عنهـا المحمّـس للحرب والمرغّـب في السّـلم
"فكـلّ أمّـة تعتمد في استبـاق مآثرهـا والتّحصـين مـن قيمهـا علـى ضرب من
الضّـروب وشكـل مـن الأشكال ؛وكانت العرب في جاهليّتهـا تختـال في تخلـيدها
بأن تعتـمد في ذلك على الشّـعر الموزون والكـلام المقفّـى.." فالشّـاعر في
الجاهلية أنفذ النّـاس بصيـرة وأرقاهـم عقلا وأرقّهـم شعـورا أدرك معـنى
الحياة فصاغها أبياتا في أشعاره.
ويعتـبر شعراء المعلّقـات أمراء الشّعر الجاهلـي ؛ لأنّـها –المعلّقـات-
سَمـت بالشّعـر العربـي ومثّلت قمّـة الإبداع الشّعـري على مرّ العصـور
؛وقد سميّـت المطوّلات لأنها أطول أشعـار العـرب ثمّ سمّيت المعلّقات لأنها
علّقـت على أستار الكعبة ؛ وقد اختلف في عددها فقد اتّـفق على صحّة سبع
منهـا واختلـف في الثلاث التّي تتمّـم العشرة ؛وهي:
1-معلقة امرؤ القيس: لقّـب بالملـك الضّليـل بسبب لهوه وضيـاع ملكـه
؛ومعلّـقته صورة من حياته تناول فيهـا الغـزل وبكاء الأطلال ووصـف اللّـيل
والحصـان........ومطلعـها:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ بسِقْطِ اللّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فتُوضحُ فالمقراةِ لم يعفُ رسمـهَا لمَّا نسحبهَا منْ جنوبٍ وشمألِ
-معلّقة زهير بن أبي سلمى: لقّب بداعية السّلام وصاحب الحوليّـات وشاعر
الحكمة؛ تدور معلّقته حول وصف الأطلال ؛شكر من أصلح بين عبس وذبيان
والدّعوة للسّلام ومطلعها:
مَنْ أوفَى دمنةً منْ تكلّمِ بحومـانةِ الدّراجِ فـالمـتلثّمِ
ودارٍ لهَا بالرّقمينِ كأنّهَا مَرَاجِيعُ وشمٍ في نواشرِ مِعصمِ
3-معلّقة طرفة بن العبد: لقّـب شهيد الشّعر ؛تدور معلّقـته حول بكاء
الأطـلال ؛الغزل ؛وصف النّـاقة؛الفـخر ؛ الحماسة وفلسفـة الحياة والمـوت
...ومطلعها:
لِخولةَ أطلالٌ بـبرقةَ تَهمـدِ تَلوحُ كَباقِي الوشمِ في ظاهرِ اليدِ
وُقوفًا بها صَحْبِي عليّ مَطِيُهُمْ يقولونَ لاَ تَهْتَـكْ أسـًى وتجلّدِ
4-معلّقة لبيد بن ربيعة: لقّب بالشّـاعر المهاجر ؛تدور معلّقته حول بكاء
الأطلال ؛ وصف الآثار والمرأة والنّـاقة....والتّحدّث عن البطولة ومطلعها:
عًفّتِ الدِّيارُ محلّهَا ومُقامهَا بِمـنَى تَأبـدُ غَوْلَـهَا فَرِجَامُهَا
فَمُدافعُ الرّيانِ عريّ رسمهَا خَلقًا كَمَا ضمنَ الوَحْيَ سَلاَمهَا
5-معلّقة عنترة العبسي: لقّب أبو الفوارس تدور معلّقتة حول بكاء الأطلال ؛التّغزل بعبلة ؛ وصف النّـاقة والمعارك وبطولاته...مطلعها:
هل غادر الشّعراء من متردّم أم هل عرفت الدّار بعد توهّم
يادار عبلة بالجواء تكلّم وعم صباحا دار عبلة واسلم
6-معلقة الحارث بن حلزة: لقّب بالشّـاعر المقاتل والمعمـّر تدور معلّقته
حول بكاء الأطلال ؛الوصف ؛الهجاء الموازنة بين قبيلتي تغلب وبكر....مطلعها:
آذنتنا ببينها أسماء ربّ ثاو لم يملّ منه الثناء
بعد عهد لنا ببرقة شما ء فأدنى ديارها الخلصاء
7-معلقة عمرو بن كلثوم: صاحب القصيدة الواحدة ؛ تدور معلّقته حول بكاء الأطلال ؛ الوصف ؛الهجاء ؛وصف الخمرة الغزل...ومطلعها:
ألا هبّي بصحنك فأصبحينا ولا تبقى خمور الأندرينا
مشعشعة كأنّ الحص فيها إذا ما الماء خالطها سخينا
8-معلّقة الأعشى:
ودّع هريرة إنّ الرّكب مرتحل وهل تطيق وداعا أيّها الرّجل
غراء فرعاء مصقول عوارضها تمشي الهويني كما يمشي الوجل
9-معلّقة النابغة الذبياني:
يادار ميّة بالعلياء فالسّنـد أقوت وطال عليها سالف الأبد
وقفت فيها أصيلانا أسائلها عيّت جوابا وما بالربع من أحد
10-معلقة عبيد بن الأبرص
أقفر من أهله ملحوب فالقطـيّبات فـالذنــوب
فراكـس فثعيلبات فـذات فرقـين فـالقليب
وكانت القبائل العربية تأتي من كلّ حدب وصوب لتجتمع في أوقات الحج والأسواق
الشّعرية التي كانت تقيمها في أنحاء الجزيرة العربية ومن هذه الأسواق :
عكـاظ ذو المجنّة و ذوالمجـاز وكان أشهرها وأهمّـها سوق عكاظ التـي "كانت
تقام في أوّل ذي القعـدة إلى اليوم العشرين منه؛ وأقيمت تلك السّوق بعد عام
الفيل بخمس عشر سنة؛ وبقيت إلى ما بعد الإسلام حتّى سنة129للهجرة.."
ويجتمع بهذه السّوق أشرف القبائل العربية للمتاجرة والمفاخرة وللمحاكمة في
الخصومات والمفاضلة بين الشّعراء الذّين كانوا شديدي الحرص على حضورها ؛
وكانوا يحتكمون في أشعارهم إلى النّـابغة الذّبيـاني " الذّي كان يضرب له
قبّة من أدم ؛وينصّب نفسه حكما وقاضيا بين الشّعراء ويجعل نفسه ناقدا بصيرا
في ضروب الشّعر؛ فيأتيه الشّعراء من كل حدب وصوب؛ فتعرض أشعارها عليه
فيحكم عليه بالجودة أو يرد عليها أشعارها..."
ومن بين المحاكمات التي حكم فيها النابغة الذبياني هي تلك الّتي كانت بين
الأعشى وحسان بن ثابت والخنساء، فكان أوّل من أنشده من الشّعراء الأعشى
وآخرهم الخنساء فقال لها:" والله لولا أبا بصير –الأعشى- أنشدني آنفا لقلت
أنّك أشعر الجنّ والإنس ؛ فقام حسان وقال: والله لأنا أشعر منك ومن
أبيك....وكان حسان بن ثابت قد أنشده قصيدته الميمية التي يقول فيها:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى وأسيافنا من نجدة يقطرن دما
ولدنا بني العنقاء وابني محرّق فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما
فقال له النابغة: أنت شاعر ولكنّك أقللت جفانك وأسيافك وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك.
قال الصولي: أنظر إلى هذا النقد الجليل الذي يدل على نقاء كلام النابغة ؛
وديباجة شعره ، قال له: أقللت أسيافك لأنّه قال أسيافنا وأسياف جمع لأدنى
العدد والكثير سيوف، والجفنات لأدنى العدد والكثير جفان ، وقال فخرت بمن
ولدت لأنّه قال ولدنا بني العنقاء....فترك الفخر بآبائه وفخر بمن ولد
نساءه..."
والنابغة كان يعتمد في إصدار أحكامه النقدية على فطرته وسليقته وشاعريّته وذوقه الشخصي.
وللعرب قديما نواميس وعادات شعريّة لا يحيد عنها الشاعر العربي أيّا كان ؛
وكان عمود الشعر –وهو تلك القواعد والقوانين الفنية التي يتمسّك بها
الشّاعر الجاهلي لبناء قصيدته- هو المقياس الحقيقي في بناء القصيدة العربية
الجاهلية.
وكانت القصيدة تبنى على ستة عـشر بـحرا يلتزم فـيها الشعـراء الوزن
والقـافية إضافـة إلى تقـاليد أخرى يلتزمـها الشّـاعر؛ ومن هذه التقاليد أن
يبتدئ الشاعر قصيدته بالوقوف على الأطلال مهما كان غرضه من القصيدة يقول
الأعشى:
ما بكاء الكبير بالأطلال وسؤالي فهل ترد سؤالي.
ومن ثمّة ينتقل الشاعر إلى الغزل ووصف طريقه وناقته أو فرسه ثمّ يفتخر
بنفسه أو قبيلته؛ ثم يقصد الغرض الذي من أجله قال قصيدته؛ وقد يختتمها
بحكمة أو تأتي في ثناياها.يقول ابن قتيبة في هذا الصدد" وسمعت بعض أهل
الأدب يذكر أنّ مقصد القصيدة إنّما ابتدئ به بذكر الديار والدمن والآثار
فبكى وشكا وخاطب الربع
واستوقف الرفيق وجعل ذلك سببا لذكر أهلها الظاعنين عنها ثم وصل ذلك بالنسيب
فشكا شدة الوجد وألم الفراق وفرط الصبابة..فإذا علم أنه استوثق الإصغاء
إليه والأسماع له عقب بإيجاب الحقوق.."
و المقدمة الطللية استهوت الشعراء الجاهليين لأنّها ارتبطت ببيئتهم
وطبيعتهم البدوية الصحراوية" وقد بدأت هذه المقدّمة بداية طبيعيّة عند
شعراء المرحلة الفنّية الأولى من حياة الشعر الجاهلي وهي المرحلة التي
عاصرت حرب البسوس –وهي حرب نشبت في أواخر القرن الخامس ميلادي بين تغلب
وبكر؛ بسبب اعتداء كليب على ناقة للبسوس خالة جساس بن مرة ، ودامت هذه
الحرب أربعين سنة انتهت بالإصلاح بين القبيلتين-
ثم تحولت هذه المقدمة إلى مقدمة تقليدية عند شعراء المرحلة الثانية من حياة هذا الشعر وهي المرحلة التي عاصرت حرب داحس والغبراء"
كانت هذه الحرب في أواخر العصر الجاهلي ، كان سبب نشوبها سباق فرسين داحس
والغبراء لقبيلتين عبس وذبيان فلما أوشكت داحس على الفوز اعترضه رجلين من
ذبيان فسبقت الغبراء ، وظلت هذه الحرب لسنوات طوال انتهت بالإصلاح بين
القبيلتين .
وكانت ألفاظ الشعر الجاهلي تتغير حسب الغرض والموضوع، فكانت القصائد التي
تقال في الحروب والفخر تتميز بقوة ألفاظها بعكس الغزل والنسيب الذي كانت
ألفاظه تتميز بالرقة.
ويمكن جمع أغراض الشعر الجاهلي في المقولة " أنا متحمس وفخور وبوصف حكمتي في الغزل وإن يوما مدحت أو هجيت فأرثي نفسي وأعتذر "
والشاعر يصول ويجول في ثنايا القصيدة متنقلا من غرض إلى غرض ومن معنى إلى
آخر دون أن يخل بناء القصيدة ، فيركبها تركيبا موحدا حيث " ينفرد كل بيت
منه بإفادته في تراكيبه حتى كأنه وحده مستقل عما قلبه وعما بعده ، وإذا
أفرد كان تاما في بابه في مدح أو تشبيب أو رثاء فيحرص الشاعر على إعطاء ذلك
في البيت ما يستقل في إفادته ثم يستأنف في البيت الآخر كلاما آخر كذلك ،
ويستطرد للخروج من فن إلى فن ومن مقصود إلى مقصود بأن يوطئ للمقصود الأول
ومعانيه إلى أن تناسب المقصود الثاني ...."
فمن الأغراض التي نظموا فيها أشعارهم :
المدح : هو تقدير وشكر وثناء لما يستحسن من الممدوح ويعتبر المدح من أهم
الأغراض التي قال فيها شعراء الجاهلية شعرهم ، ذلك أن الإعجاب بالممدوح
والرغبة في العطاء تدفعان الشاعر إلى إتقان هذا الفن فيسعى الشاعر إلى قول
الشعر الجيد الذي يتضمن الشكر والثناء ، وكان هذا الغرض في أغلبيه وسيلة
للتكسب ، ومن الصفات التي يمتدح بها الممدوح هي الشجاعة ، الكرم ، مساعدة
المحتاج، العفو عند المقدرة ، حماية الجار ... ومن ذلك مدح الحارث بن حلزة
لعمرو بن كلثوم :
" ثـم حجر أعني ابن أم قطام وله فارسية خضراء
أسد في اللقاء ورد هموس وربيع إن شنعت غبراء "
وقول سلامة بن جندل يمتدح صعصعة بن محمود الذي أطلق سراح أخيه :
سأجزيك بالقد الذي فككته سأجزيك ما أبليتنا العام صعصعا
فـإن يك مـحمود أباك فإننا وجدناك منسوبا إلى الخير أروعا
سأهدي وإن كنا بتثليث مدحه إليك وإن حلت بيوتك لعلعا
فإن شئت أهدينا ثناء ومدحة وإن شئت عدينا لكم مائة معا
الهجاء : كان هدف الشاعر منه تجريد المهجو من المثل العليا فيجرده من
الشجاعة ويجعله جبانا ومن الكرم فيجعله بخيلا ويلحق به كل صفة ذميمة كالغدر
والخيانة ومن ذلك هجاء المزرد بن ضرار لزرعة بن ثوب :
أزرع بن ثوب إن جارات بيتكم هزلن وألـهاك ارتغاء الرغائد
وأصبح جارات ابن ثوب بواشما من الشر يشوبهن شيء القدائد.
الفخر : وهو ذكر محاسن الإنسان والاعتزاز بهذه المحاسن وهو نوعان :
فخر ذاتي : يتمحور حول المفتخر بنفسه مع المبالغة فيها أحيانا كأن يصور
الشاعر نفسه بطلا شجاعا قويا يتسم بالقيم الحسنة ، يغيث الملهوف ويعين صاحب
الحاجة يقول طرفة بن العبد مفتخرا بنفسه :
إذا القوم قالوا من الفتى خلت أنني عنيت فلم أكسل ولـم أتلبد
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه خشاش كرأس الـحية المتوقد
فخر قبلي : هو افتخار الشاعر بصنائع قبيلته البطولية مع تعصب للقبيلة يقول عمرو بن كلثوم :
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
إذا بلغ الفطـام لنا صبي تـخر له الجبابرة ساجدينا
الرثاء : هو إظهار الحزن والأسى والحرقة على الميت ، تبرز جودته في رثاء
ابن أو أب أو أخ ، ولعل أجود رثاء جاهلي هو رثاء دريد بن الصمة لأخيه عبد
الله ورثاء الخنساء لأخيها صخر يعتبر من الرثاء المؤثر في النفوس :
يذكرني طلوع الشمس صخرا وأذكره لكل غروب شمس
ولولا كثرة الباكين حولي على إخواتهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي نفسي عنه بالتأسي
كما كان الشعراء الجاهليون يرثون أنفسهم أحياء ومن ذلك قول عبيد بن الأبرص الذي جمع بين الحكمة ورثاء نفسه في قوله:
والله إن مت ماضرني وإن عشت ماعشت في واحدة
فأبلغ بـني و أعمامهم بأن المـنايا هـي الواردة
لـها مدعة فنفوس العباد إليها وإن كرهت قاصدة
فلا تـجزعوا لحمام دنا فـللموت لما تلد الوالدة
فوالله إن عشت ماسرني وإن مت ماكانت العائدة
الاعتذار : تفرع هذا الغرض من غرض المدح ويعد النابغة الذبياني أول قائل
فيه ورائده الأول : وذلك في خلافه مع النعمان بن المنذر ، ويتميز هذا الغرض
بتداخل عاطفة الخوف والرجاء ، التلطف والتذلل وإظهار الحرص على المودة ،
يقول النابغة
أتاني أبيت اللعن أنك لمتني وتلك التي اهتم منها وأنصب
فبت كأن العائدات فرشن لي هو اسابه يعلي فراشي ويقشب
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب
وقول طرفة بن العبد معتذرا :
إني وجدك ماهجوتك وال أنصاب يسفح بينهن الدم
أخشى عقابك إن قدرت ولم أغدر فيؤثر بيننا الكلم
الحكمة : هي استخلاص لنتائج تجارب الحياة والبيئة المحيطة بالإنسان ، وقد
أفرزت فلسفة الحياة والموت غرض الحكمة عند الشعراء ، وقد اشتهرت بهذا الغرض
من شعراء الجاهلية ، زهير بن أبي سلمى حتى لقب بالشاعر الحكيم وشاعر
الحكمة ، يقول في معلقته :
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ولكني عن علم ما في الغد عم
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
وقوله أيضا:
من هاب أسباب المنايا ينلنه وإن يرق أسباب السماء بسلم
يقول عبيد بن الأبرص:
وكل ذي نعمة مـخلوسها وكل ذي أمل مكذوب
وكل ذي إبـل موروثـها وكل ذي سلب مسلوب
وكل ذي غيبة يـؤوبـها وغائب الموت لا يؤوب
أفلح بما شئت فقد يبلغ بال ضعف وقد يخدع الأريب
مـن يساءل الناس يحرمونه و سائل الله لا يـخيب
الغزل: سمي النسيب وهو أكثر الأغراض الشعرية استعمالا حيث لم تخل قصيدة جاهلية منه وقد انقسم إلى:
غزل فاحش أو ماجن:يصف المفاتن الجسدية للمرأة
غزل عفيف: يصف الخصال المعنوية للمرأة.
وكان أكثر الشعراء استعمالا لهذا الغرض هو امرؤ القيس الكندي ؛حتى ارتبط
اسمه به فسمي شاعر الغزل؛ شاعر المجون ؛ شاعر المرأة..فوصفها وتغزل بها
وأفحش في ذلك يقول:
وكشح لطيف كالجيد بل مخصر وساق كأنبوب السقي المذلل
وتضحي فتيت المسك فوق فراشها تؤوم الضحى لم تنطق عن تفضل
يقول طرفة بن العبد متغزلا:
وقد ذهبت سلمى بعقلك كله فهل غير صيد أحرزته حبائله
كما أحرزت أسماء قلب مرقش بحب كلمح البرق لاحت مخابله
فوجدي بسلمى مثل وجد مر قش وعلقت سلمى حيالا أماطله
لعمري لموت لا عقوبة بعده لدى البث أشفى من هوى لا يزاوله
الوصف: توزع في ثنايا القصيدة ؛ فكان الشاعر يصف كل ما وقعت عليه عيناه فوصف الجاهلي الناقة والفرس والبيداء...يقول امرؤ القبس:
وليل كموج البحر أرخى سدوله علي بأنواع الهموم ليبتلي.
كانت هذه أهم محطات الشعر الجاهلي تناولناها بعجالة حتى تتضح لنا ملامح الفصول القادمة.
الفصل الأول : موقف الإسلام من الشعر
توطئة
موقف القرآن
موقف الرسول صلى الله عليه وسلم
موقف الصحابة الكرام
توطئـة :توطئة
موقف القرآن
موقف الرسول صلى الله عليه وسلم
موقف الصحابة الكرام
اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن ينزّل القرآن على رسوله صلىّ الله عليه
وسلّم منجّما خلال ثلاث وعشرين سنة حتى تكون النّفوس البشرية مهيأة
لاستقبال هذا الفيض الإلهي ؛ فكان للقرآن الكريم وللتعاليم الإسلاميّة أثر
كبير في تغيير نمط حياة العرب بجوانبها الاجتماعية الثقافية ؛ العقائدية
وحتى الأدبية.
فكان أكبر تحوّل سجّله التاريخ هو ظهور الإسلام الذي جمع بين الملموس
والمحسوس فالقرآن الكريم شامل جامع لكل ما يتعلق بالحياة ، فحافظ على
الإنسان و مشاعره ؛فحرّمت تعاليمه على البشر كلّ ما يسيء إلى إنسانيّة
الإنسان من قول أو عمل ، فرفعت بذلك قيم وحطّت قيم .
وقد سطّر الإسلام منهجا ربّانيا استقت منه البشريّة أسس و قواعد تفكيرها و
آدابها ، فتغيّرت بذلك أنماط الفكر و التّفكير وكسرت مرآة أدب ساد قرابة
قرن ونصف من الزّمن .
وما يهمّنا هنا من تلك المتغيّرات هو الحياة الأدبية عامّة والشعريّة خاصّة ، فكيف نظر الإسلام إلى الشّعر؟
لقد تباينت آراء الباحثين حول قضيّة الشعر في فترة صدر الإسلام ؛ فمنهم من
ذهب بالقول إلى أنّ الشعر لان وضعف في هذا العصر لأنّ " الإسلام حارب أكثر
الأعمال التي يجود فيها الشعر و تنشّط القرائح كذكر الخمرة ومغازلة المرأة و
إثارة الضغائن والأحقاد والثّأر"
إلى جانب هذا فقد انشغل المسلمون بأمر الدعوة و الجهاد في سبيل الله ، وقد
أورد ابن خلدون لهذا الحديث بابا في مقدّمته يقول فيه:" انصرف العرب عن
الشعر أوّل الإسلام بما شغلهم من أمر الدين و النّبوّة و الوحي ؛ و ما
أدهشهم من أسلوب القرآن و نظمه ، فأخرسوا عن ذلك وسكتوا عن الخوض في النّظم
و النثر زمانا...".
ومن هنا يتراءى لنا أنّ أصحاب هذا الرّأي جعلوا الإسلام في بداياته الأولى
نقطة لانحدار مستوى الشعر عند العرب ، المكانة التي لم تساوها ولم تعادلها
مكانة ، و أرجعوا سبب ذلك إلى انشغال الشّعراء بأمر الدّين الجديد و
اعتكافهم على دراسة القرآن الكريم.
و من أمثلة ذلك لبيد بن ربيعة ذلك الشّاعر الّذي نبغ في الشّعر حتّى ذاع
صيته في الجاهليّة ؛ لم يؤثر عنه أنّه قال بعد إسلامه إلا بيتا واحدا:
" الحمد لله إذ لم يؤتني أجلي حتّى اكتسيت من الإسلام سربالا.
وقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنشدني من شعرك؛ فقرأ عليه سورة البقرة وقال: قد أبدلني الله بالشعر سورة البقرة و آل عمران".
ولعلّ هذه الحادثة تدعّم رأي ابن خلدون ومن يذهب مذهبه في أنّ الشعر لان وضعف في صدر الإسلام لقلّة الشعراء.
أما الرأي الثاني و الّذي عاكس الأوّل ؛ فمفاده أنّ الشّعر قوي في هذا
العصر ، فالكلمة في الإسلام كانت هي السّيف والرمح الّذي حارب به الشّعراء
المسلمون ، وبها دافعوا عن الإسلام والمسلمين وعن النّبيّ صلى الله عليه
وسلّم .
فبرز شعراء وشاعرات من الصّحابة و الصّحابيات رفعوا راية الحرب الكلاميّة
ضد المشركين والكفّّار من قريش وغيرهم، فكان في مقدّمة هؤلاء الشّعراء:
حسّان بن ثابت، كعب بن مالك، و عبد الله بن رواحة
فالكلمة في صدر الإسلام كانت على المحك فرسمت لنا الدّم و النار؛ الدّمع و
الفرح الحب والكراهية ؛ الحرب والسلام ؛ كانت هي الرمح والسيف ؛ كانت هي
الداء في قلوب المشركين والدواء في نفوس المسلمين .
ولكن قبل هذا وذاك كيف نظر الإسلام إلى الشعر؟ ما هي أهم المواقف المسجلة فيه وعليه ؟
المبحث الأول: مواقف من الشعر:
1_موقف القرآن الكريم من الشّعر:
إذا ما أردنا الحديث عن نظرة القرآن للشعر ؛ فإنّ أنظارنا ستتّجه وتشدّ
مباشرة نحو سورة الشّعراء ، وبالأخصّ نحو الآيات الأواخر منها.
يقول الله تعالى:" ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَنْ تَنَزَّلُ
الشَّيَاطِينُ ﴿221﴾ تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴿222﴾
يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴿223﴾ وَالشُّعَرَاءُ
يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴿224﴾ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ
يَهِيمُونَ ﴿225﴾ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴿226﴾ إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا
وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ۗ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا
أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴿227﴾ " .
جاء في صفوة التّفاسير " سمّيت الشّعراء لأنّ الله ذكر فيها أخبار الشّعراء
، وذلك للردّ على المشركين بزعمهم أنّ محمّد ا صلّى الله عليه وسلّم كان
شاعرا وأنّه ما جاء به كان من قبيل الشّعر ؛ فردّ الله عليهم ذلك الكذب
والبهتان وظهر الحقّ وبان. "
أمّا في سبب نزول هذه السّورة فعن ابن عبّاس قال : "تهاجى رجلان على عهد
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين ؛
وكان مع كلّ واحد منهما غواة من قومه وهم السّفهاء فأنزل الله تعالى :
﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴿224﴾.""
أمّا في تفسير هذه الآيات فقد ورد في كتاب التّفسير للطبري " لقد وصف الله
عزّ وجلّ شأنه فئة من الشّعراء بالطيش والسّفه والغواية ، وبأنّهم يقولون
ما لا يفعلون أي أنّهم متّهمون بالكذب والغلو والبعد عن الحقّ و طريق
الرّشاد؛ وذكر بعض
المفسّرين أنّ الشّعراء المذمومون في الآية الكريمة هم شعراء المشركين ؛ عبد الله بن الزّبعرى وهبيرة بن أبي المخزومي ..."
وروي أنّ حسّان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك عند نزول هذه
الآيات أتوا الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وهم يبكون و قالوا:" قد علم الله
حين أنزل هذه الآية أنّا شعراء قد هلكنا..فتلا النّبيّ صلّى الله عليه
وسلّم:﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا
اللَّهَ ....﴾
لقد ارتبطت الآية "﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴿224﴾ .."بالآية الّتي سبقتها لتؤدّي دلالتي التوكيد والنّفي
فأمّا الأولى – دلالة التوكيد- فتخصّ الشّعراء و تثبت أنّ كلّ ما يقولونه
هو من وحي الشّيطان ، وأمّا الدّلالة الثّانية –النّفي- فهي " جواب لمن قال
من مكذّبي الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أنّ محمّدا ينزل عليه شيطان ؛
وقول من قال أنّه شاعر."
ومن خلال الآية الكريمة من سورة الشّعراء يتبيّن لنا أنّ القرآن الكريم قسّم الشّعراء قسمين:
1- المؤمنون: وهم أصحاب الكلمة الطّيّبة فذكرهم الله في سورة إبراهيم
"﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً
كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴿24﴾
تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ
الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿25﴾ " فهؤلاء امتلأت
قلوبهم بالإيمان وساروا على منهج الإسلام وعملوا الخيرات وكافحوا من أجل
نصرة الحق وإعلاء رايته.
2-المشركون: وهم أصحاب الكلمة الخبيثة ذكروا في نفس السّورة ﴿ وَمَثَلُ
كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ
مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ﴿26﴾ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ
وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴿27﴾"
وهؤلاء يتّبعون الأهواء ؛ لا منهج لهم ولا هدف خاضعة أنفسهم للظلم والشّرك والأوهام ؛ فكانوا في تيههم وضلالهم يعمهون.
وعليه ومن هذا المنطلق يظهر لنا جليّا أنّ القرآن الكريم لم يذمّ الشّعراء
كافّة بل خصّ منهم فئة معيّنة مستثنيا بذلك المؤمنين منهم، كما أنّه لم
ينفّر من الشّعر ولم يهجّنه كما زعم البعض.
كما لم يقتصر ذكر الشّعر على هذه الآيات من سورة الشّعراء فقط، فإذا بحثنا
في الذّكر الحكيم من القرآن الكريم وجدنا ورود لفظة شعر في خمسة مواضع
متفرّقة هي:
أوّلا في قوله تعالى:"﴿ بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ
بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ﴾."
بمعنى جاء به من عند نفسه و اختلقه وتقوّله فإنّ هذا من صنيع البشر.
ثانيا قوله تعالى" وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ۚ
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ ". في هذه الآية ينفي الله
تعالى صفة الشّعر عن نبيّه و يثبت أنّ ما جاء به ما هو إلا قرآن يتذكّر به
أولوا الألباب والعقول السليمة
ثالثا قوله تعالى:"﴿ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا
لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ﴿36﴾ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ
﴾" فلم يكفهم تكذيبه صلى الله عليه وسلّم و الإعراض عنه بل رموه بالشاعريّة
والجنون.
رابعا قوله :"﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ
الْمَنُونِ ﴿30﴾ قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ
الْمُتَرَبِّصِينَ ﴿31﴾ " أي سنتركه –الرّسول صلّى الله عليه وسلّم- يقول
شعره –القرآن - حتّى يأتيه الموت فيبطل قوله وادّعائه فنستريح منه.
خامسا قوله تعالى:"﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ ﴿38﴾ وَمَا لَا
تُبْصِرُونَ ﴿39﴾ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴿40﴾ وَمَا هُوَ
بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ ﴿41﴾ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ
قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴿42﴾ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿43﴾ "
هذا قول رسول الجبّار وقوله حقّ وليس كما يدّعي المشركون أنّه شاعر قوله
الشّعر.
التصق تصوّر النّبوّة في الفكر العربي القديم بالجنون والشّعر والكهانة
والسّحر ، فالمجنون والكاهن في حالات كثيرة يتنبّأون عن أمور غيبية ستحصل
في المستقبل ؛ أمّا الشّاعر و السّاحر فيأتيان بما يبهر النّاس ويسلب
عقولهم الأوّل ببيانه والثّاني بشعوذته ، وأيّا كانت الوسيلة فإنّ لكلّ
منهم شيطان يسيّره ويملي عليه "فعن عائشة رضي الله عنها عن النّبيّ صلّى
الله عليه وسلّم أنّه قال : إنّ الملائكة تتحدّث في العنان –العنان هو
الغمام- بالأمر في الأرض فتسمع الشّياطين الكلمة فتقرّها في أذن الكاهن –
أو السّاحر- كما تقرّ القارورة فيزيدون معها مائة كذبة."
ويقول أحد الشّعراء مفتخرا بشيطانه الذي يملي عليه الشّعر:
إنّي وإن كنت صغير السّنّ و كان في العين نبوّ عنيّ
فإنّ شيطاني أمير الجنّ يذهب بي في الشّعر كلّ فنّ
فلمّا كان الأمر كذلك ، أنزل الله تعالى الآيات السابقة الذكر نافيا عن
نبيّه صفة الشّعر، أمّا نفي صفتي الجنون و السّحر عنه فقد ورد في مواضع
أخرى من الذّكر الحكيم نذكر منها :
قوله تعالى:"﴿ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ۖ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾."
وقوله تعالى: "﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمِ {19} ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ
ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ﴿20﴾ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴿21﴾ وَمَا صَاحِبُكُمْ
بِمَجْنُونٍ ﴿22﴾ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ﴿23﴾ وَمَا هُوَ
عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ﴿24﴾ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ
﴿25﴾.."
لمّا أبهرتهم آيات الذّكر الحكيم بيانا وبلاغة ؛ وكان العرب أهل البلاغة
والبيان ، وخرست أفواههم وعجزت ألسنتهم على أن تأتي بمثله –قال الله
تعالى:"﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ
يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ
كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴿88﴾" رموا الرّسول صلّى الله عليه
وسلّم بأنّه تقوّله وأنّ الشّياطين كانت تمليه عليه وتعينه على الإتيان به
فبمثله لم يسمعوا من قبل.
فهذا الوليد بن المغيرة حينما سمع القرآن ليبدي رأيه فيه حتّى يصدّ
الوافدين من القبائل العربية عن الإسلام قال:"والله لقد سمعت كلاما ما هو
من كلام الإنس ولا من كلام الجنّ ؛إنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة وإنّ
أعلاه لمثمر وإنّ أسفله لمغدق وإنّه ليعلو ولا يعلى عليه"
وهذا زعيم الكفر من زعماء قريش لم يستطع كتمان إعجابه بالقرآن الكريم
وانبهاره به، فلمّا علم أبو جهل بأمره خشي من أن يدخل في الدّين الجديد ؛
فأغراه بمال وجاه على أن يحيد عن قوله السابق ، فقال بعد تفكّر وتدبّر:"لقد
سمعت الشّعر رجزه وهزجه؛ وقصيده وسجع الكهّان ، فما هو بزمزمة الكاهن ولا
سجعه؛ وما هو بالشّعر ،وإنّ أقرب القول أن نقول فيه أنّه ساحر جاء بسحر."
فأنزل فيه تعالى قوله:"﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ﴿18﴾ فَقُتِلَ كَيْفَ
قَدَّرَ ﴿19﴾ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ﴿20﴾ ثُمَّ نَظَرَ ﴿21﴾ ثُمَّ
عَبَسَ وَبَسَرَ﴿22﴾ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ﴿23﴾ فَقَالَ إِنْ
هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ﴿24﴾ إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَر﴾ِ"
وعليه ومما سبق نخلص إلى أنّما نزل في القرآن الكريم عن الشّعر قد نزل في
الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لينفي عنه ذات الصّفة –الشّعر- وأنّ ما نزل
عليه من قول هو ذكر حكيم من لدن ربّ عظيم.
وأمّا ما نزل في سورة الشّعراء فقد نزل في الشّعراء أنفسهم ذامّا متوعّدا شعراء المشركين مستثنيا مبشّرا شعراء المسلم
2_موقف الرّسول صلّى الله عليه من الشّعر
لم يكن موقف الرّسول صلّى الله عليه وسلّم من الشّعر والشّعراء ببعيد عن
موقف القرآن الكريم منه؛ إذ نجده يقف موقفين متباينين منه مؤيّد ومعارض،
وذلك ما نلمسه من خلال الحديث الشّريف :"(إِنَّمَا الشِّعْرُ كَلامٌ
مُؤَلَّفُ ؛ فَمَا وَافَقَ الِحَقَّ مِنْهُ فَهُوَ حَسَنْ وَ مَا لَمْ
يُوَافِقِ الحَقَّ مِنْهُ فَلا خَيْرَ مِنْهُ)".
وعليه فالرّسول صلّى الله عليه وسلّم ميّز لنا بين نوعين من الشّعر سيّء
وحسن؛ فأمّا السيئ فهو الّذي ينال من الإنسان و يحطّ من قيمته من حيث هو
إنسان ، هذا النّوع من الشّعر كان يثير الضّغائن و يهتك بشرف وعرض النّاس
هو المذموم في الحديث الشّريف.
"وعن ابن الهادي عن مختصّ مولى مصعب بن زبير عن أبي سعيد قال :بينما نحن
نسير مع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم إذ عرض علينا شاعر ينشد فقال النّبيّ
صلّى الله عليه وسلّم
خُذُوا الشَّيِطَانَ –أو أمسكوا الشّيطان- لَئَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ
أَحَدِكُمْ قَيْحاً خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْراً.)"
فالشّعر كلام والكلام مصدره الجوف ؛ وإنّ امتلاء هذا الجوف بـما تقرف منه الأنفس خير من امتلائه كلاما أصله باطل لا خير فيه ومنه.
ولذلك قال صلّى الله عليه وسلّم عن امرئ القيس :"(ذَلِكَ رَجُلٌ مَذْكُورٌ
فِي الدُّنْيَا شَرِيفٌ فِيهَا؛ مَنْسِيٌّ فِي الآخِرَةِ خَامِلٌ فِيهَا؛
يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَعَهُ لِوَاءُ الشُّعَرَاءِ يَقُودُهُمْ إِلَى
النَّارِ) .
ولعلّ قوله هذا في امرئ القيس ما كان إلا بسبب ذلك الشّعر الّذي كان يخوض في أغراضه.
وقد سطّر للشّعراء منهجا ساروا عليه فكان صلّى الله عليه وسلّم يقول:"(مَنْ
قَالَ فِي الإِسْلاَمِ هِجَاءً مُقْذِعاً فَلِسَانُهُ هَدَرْ)."
وفيما عدا ذلك فقد كان الرّسول صلّى الله عليه وسلّم يمتدحه فيقول"إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً.)"
فكان ذوّاقا لفنّ الكلام؛ مستحبّا لسماعه بحكم غريزته الإنسانيّة العربيّة القحّة.
وقد روي أنّ كعبا بن مالك سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن رأيه في
الشّعر –و كأنّما يريد أن يطمئنّ على حاله كشاعر- فأجابه النّبيّ صلّى الله
عليه وسلّم :"(المُؤْمِنُ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ وَ لِسَانِهِ.)"
فقد عرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما للكلمة من وقع وأثر ومكانة في
نـفس العربيّ ؛فكان يقوّي عزيمة الشّعراء ، ويأمرهم بالذّود عن حمى الإسلام
والمسـلمين وعن نبيّهم فكان يقول:"(مَا يَمْنَعُ القَوْمَ الَّذِينَ
نَصَرُوا رَسُولَ اللهِ بِسِلاَحِهِمْ أَنْ يَنْصُرُوهُ
بِأَلْسِنَتِهِمْ.)" فالحرب الكلاميّة كانت أقوى من الحروب الميدانيّة
الطاحنة لأنّها كانت تؤثّر بالدّرجة الأولى على نفسيّة المشركين ؛فتجنّد
شعراء المسلمين لتلك الحرب ؛ فكان في مقدّمة الشّعراء القادة الثّلاثة :
حسّان بن ثابت، كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة.
فالرّسول صلّى الله عليه وسلّم وهو في سفرة له نادى حسّان بن ثابت وقال له
:"أُحْذُ ؛فجعل حسّان ينشد وهو يصغي إليه حتّى فرغ من نشده قال النّبيّ
صلّى الله عليه وسلّم(لَهَذَا أَشَّدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ وَقْعِ
النَّبْلِ)."
وكان صلّى الله عليه وسلّم بفضّل شاعره حسّان بن ثابت عن باقي الشّعراء لما
في شعره من وقع في نفوس المشركين فقال عنه :"(أَمَرْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ
رَوَاحَة فَقَالَ وَأَحْسَنْ؛ وَأَمَرْتُ كَعْبَ بنَ مَالِكٍ فَقَالَ
وَأَحْسَن وَأَمَرَتُ حَسَّانَ بنَ ثَابِتٍ فَشَفَى وَاشْتَفَى)."
كما كان يستحسن كلام عبد الله بن رواحة لما فيه من قوّة معاني و لين ألفاظ فأثنى بقوله "إِنَّ أَخاً لَكُم لَا يَقُولُ الرَّفَثَ –يعني بذلك بن رواحة-)"
وإضافة إلى مفاضلته بين الشّعراء فقد كان يستمع إلى الشّعراء و يدلي برأيه فقال صلّى الله عليه وسلّم"أَصْدَقَ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَة لُبَيْدٍ : أَلاَ كُلَّ شيءٍ مَا خَلاَ الله بَاطِلٌ)."
وروي أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حينما سمع قول أميّة بن أبي
الصّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ ِّّّّلت –كان شاعرا
جاهليا حنفياّ
"يا ربّ لا تجعلني كافرا أبدا واجعل سريرة قلبي الدّهر إيمانا
فقال صلّى الله عليه وسلّم آمَنَ شِعْرُهُ وَكَفَرَ قَلْبُهُ)."
كما كان صلّى الله عليه وسلّم يأمر الشّعراء بتغيير بعض ألفاظهم في كلّ ما
يحسّ فيه بنزعة جاهلية؛ ومن ذلك فعله مع كعب بن مالك حين أنشده:
"مجالدنا عن جذمنا كلّ فحمة مدرّبة فيها القوانس تلمع
فقال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لاَ تَقُلْ عَنْ جِذمِنَا وَ قُلْ عَنْ دِينِنَا " فقالها كعب.
فكان الرّسول صلّى الله عليه وسلّم حريصا على توجيه الشّعراء نحو المبادئ
الإسلاميّة وتمثّلها في أشعارهم ؛ كما نلمح ذلك في قصيدة النّابغة الجعدي
التّي قال فيها :
"أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى و يتلو كتابا كالمجرّة نيّرا
بلغنا السّماء مجدنا و جدودنا وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فيوحي قول "فوق ذلك مظهرا بنزعة جاهليّة يحسّ بها الرّسول صلّى الله عليه
وسلّم فسأله:إِلَى أَيْنَ يَا أَبَا لَيْلَى ؟فأجابه : إلى الجنّة يا رسول
الله ؛ فعجب الرّسول صلّى الله عليه وسلّم من جوابه الّذي مثّل روح الإسلام
فقال : إِلَى الجَنَّةِ إِنْ شَاءَ الله." .
وقد سأل الرّسول صلّى الله عليه و سلّم عبد الله بن رواحة –وكأنّه يعجب من
قوله وتمكّنه من الشّعر- فقال: كَيْفَ تَقُولُ الشِّعْرَ؟ قال: أنظر في ذلك
ثمّ أقول. قال صلّى الله عليه وسلّم فَعَليَْكَ بِالمُشْرِكِينَ) ". ولم يكن عبد الله قد أعدّ شيئا فأنشده أبياتا منها:
فخبّروني أثمان العباء متى كن تم بطاريق أو دانت لكم مضر.
فعرف الكراهة في وجه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لمّا جعل قومه أثمان العباء فقال:
نجالد النّاس عن عرض ونأسرهم فينا نّبيّ و فينا تنزّل السّور
فثبّت الله ما أتاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالّذي نصروا
فأقبل عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال وَإِيَّاكَ فَثَبَّتَ اللهُ يَا ابْنَ رَوَاحَة.)"
وعليه وممّا تقدّم تبيّن لنا أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قد مرّ
بثلاث مراحل في تعامله مع الشّعراء –المخضرمين- بدأت بالتّوجيه ؛ فالتشجيع
ثمّ استنهاض هممهم للدّفاع عن الإسلام و المسلمين ، فبنى لحسّان بن ثابت
منبرا في المسجد ينشد عليه الشّعر وكان يقول له:"اُهْجُهُمْ – أو هاجهم-
وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ)."
كما كان صلّى الله عليه وسلّم يختار الشّعراء و يوجّههم كلّ حسب الغرض الذي
كان يجيد فيه ؛ فكان كعب بن مالك للهجاء بالأيّام وحسّان بن ثابت للهجاء
بالمثالب والأنساب وعبد الله بن رواحة للهجاء بالكفر .
ويذكر أنّ وفد بني تميم جاء إلى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فدخلوا عليه
المسجد وقالوا: يا محمّد جئناك نفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا ؛ فأذن لهم
فقال عطارد بن الحاجب فخطب؛ ثمّ أمر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قيس بن
ثابت فرد عليه ؛ ثمّ قام شاعرهم الزّبرقان بن بدر فقال:
نحن الكرام فلا حيّ يعادلنا منّا الملوك و فينا يقسم الرّبع
ونحن نطعم عند القحط مطعمنا من الشّواء إذ لم يؤنس الفزع
فلمّا فرغ الزّبرقان ؛ اختار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حسّان بن ثابت من بين شعراءه للرّد عليه فارتجل حسّان وقال:
إنّ الذّوائب من فهر و إخوتهم قد بيّنوا سنّة للناّس تتّبع
يرضى بها كلّ من كانت سريرته تقوى الإله و بالأمر الّذي شرعوا
قوم إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم أو حاولوا النّفع في أشياعهم نفعوا
فلمّا فرغ حسّان من قصيدته قال الأقرع بن حابس أحد رجال الوفد : والله إنّ
هذا الرّجل - يعني الرّسول صلّى الله عليه وسلّم- لمؤتى له ؛ لخطيبه أخطب
من خطيبنا ولشاعره أشعر من شاعرنا ولأصواتهم أعلى من أصواتنا ." ثمّ
أسلموا.
فالرّسول صلّى الله عليه وسلّم كان مؤيّدا لرسالة الشّعر في إطار معيّن ؛
فكان يسطّر للشّعراء منهج القول الّذي ينبغي أن يسيروا عليه ، فهذّب
أشعارهم وصبّها في قالب إسلامي ليخدم الشّعر بذلك الدّعوة والدّين الجديد.
وقد كان الرّسول صلّى الله عليه وسلّم يرقّ ويصفح إذا ما سمع الشّعر؛ ومن
ذلك فعله مع كعب بن زهير وقتيلة بنت النّضر بن الحارث الذي قتل النّبيّ
صلّى الله عليه وسلّم أباها النّضر فأنشدته:
"أ محمّد ها أنت ضنء نجيّة من قومها والفحل فحل معرق
ماكان ضرّك لو مننت وربّما منّ الفتى وهو المغيط المحنق
فالنّضر أقرب من قتلت قرابة و أحقّهم إن كان عتقا يعتق
فرقّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لحالها وقال : لَوْ كُنْتُ سَمِعْتُ شِعْرَهَا هَذَا مَا قَتَلْتُهُ."
هذا من جانب رأيه صلّى الله عليه وسلّم في الشّعر والشّعراء ؛ أمّا حول
قضيّة إنشاده الشّعر فنقول أنّه صلّى الله عليه وسلّم لم ينشده ؛ وذلك ممّا
ورد عن عائشة رضي الله عنها حينما قيل لها "هل كان
الرّسول صلّى الله عليه وسلّم يتمثّل بشئ من الشّعر ؟ قالت: كَانَ أَبْغَضَ
الحَدِيثِ إِلَيْهِ ؛غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَمَثَّلُ بِبَيْتِ أَخِي
بَنِي قَيْسٍ فَيَجْعَلُ آخِرَهُ أَوَّلَهُ وَ أَوَّلَهُ آخِرَهُ فَقَالَ
لَهُ أَبُو بَكْرٍ :لَيْسَ هَكَذَا؛ فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ :إَنّيِ وَ الله
مَا أَنَا بِشَاعِرٍ ولا يَنْبَغِي لِي." وهذا الحديث الشّريف هو متمّم
للآية الكريمة :" وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ۚ
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ ".
فلم يثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه ذكر بيت شعر كامل فقد روي أنّه صلّى الله عليه وسلّم مرّ مع أبي بكر رضي الله عنه برجل يقول:
يا أيّها الرّجل المحوّل رحله هلاّ سألت عن آل عبد الدّار؟
فقال صلّى الله عليه وسلّم :" يَا أَبَا بَكْرٍ أَهَكَذَا قَالَ الشَّاعِرُ؟قال:لا يا رسول الله ولكنّه قال:
يا أيّها الرّجل المحوّل رحله هلاّ سألت عن آل عبد مناف؟
فقال صلّى الله عليه وسلّم:"هَكَذَا كُنَّا نَسْمَعُهَا."
كما أنّه لم يكن يقيم أوزان الأبيات ؛فقد قال صلّى الله عليه وسلّم لعبّاس بن مرداس:"أَنْتَ القَائِلُ؟
فأصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة
فقال أبو بكر رضي الله عنه: بين عيينة والأقرع فقال صلّى الله عليه وسلّم:
هُوَ وَاحِدٌ ،فقال أبو بكر : أشهد أنّك كما قال الله تعالى: وَمَا
عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ..........."
وكذلك كان يتمثّل بيت طرفة بن العبد دون أن يقيم له وزنا
ستبدي لك الأيّام ما
رد: مذكرة تخرج بناء القصيدة في صدر الإسلام 2013 2014
الخميس يناير 24, 2013 5:20 pm
الفصل الثاني :بنية القصيدة في صدر الإسلام
البناء الداخلي للقصيدة: _الأسلوب
_الألفاظ والمعاني
_ الموضوع
البناء الخارجي للقصيدة: _شكل القصيدة
_الوزن والقافية
البناء الداخلي للقصيدة: _الأسلوب
_الألفاظ والمعاني
_ الموضوع
البناء الخارجي للقصيدة: _شكل القصيدة
_الوزن والقافية
المبحث الأول:
البناء الفني الداخلي للقصيدة
قد يسهل علينا التمييز بين بعض القصائد الإسلامية والجاهلية؛ إذا قمنا
بدراستها أسلوبيا ؛ فيما يتعذر علينا ذلك في بعضها الآخر لأنه بقي محافظا
على جاهليته في البناء الفني.
1-1الأسلوب:
استمدت القصيدة الإسلامية أسلوب نسجها من القرآن الكريم متأثرة به أيّما
تأثر ؛ فالأسلوب القرآني أبهر البلغاء كما أبهر الشعراء؛ فأنشئوا قصائدهم
الشعرية على منواله محاولين محاكاته مقتبسين منه ؛ ومن ذلك قول كعب بن
مالك:
فإن يك موسى كلم الله جهرة على جبل الطور المنيف المعظم
فقد كلم الله النبي محمدا على الموضع الأعلى الرفيع المسوم
وإن تك نمل البر بالوهم كلمت سليمان ذا الملك الذي ليس بالعم
فهذا نبي الله أحمد سبحت صغار الحصى في كفه بالترنم
من خلال هذه الأبيات يظهر لنا جليا تأثر كعب بن مالك بالقرآن الكريم فاقتبس
في أبياته هذه من القرآن الكريم ومن السيرة النبوية العطرة
فمن القرآن الكريم اقتبس من قوله تعالى:" وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ."
وفي البيت الثالث اقتبس من قوله تعالى:"حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي
النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَيَحْطِمَنَّكُمْ
سُلَيْمَانُ وَ جُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ."
أما في البيت الثاني والثالث فقد استلهمها من السيرة النبوية ؛ فالبيت
الثالث من معجزة الإسراء والمعراج أما البيت الرابع فمن معجزة تسبيح الحصى
في كفه الشريفة: فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال:" لا أذكر عثمان إلا
بخير بعد
شيء رأيته : كنت رجلا أتبع خلوات رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يوما
جالسا لوحده فاغتنمت خلوته فجئت حتى جلست إليه ؛ فجاء أبو بكر فسلم ثم جلس
عن يمين رسول الله ثم جاء عمر فسلم وجلس عن يمين أبي بكر ؛ ثم جاء عثمان
فسلم ثم جلس عن يمين عمر؛ وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات
أو قال تسع حصيات ؛ فأخذهن في كفه فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل ؛
فوضعهن فخرصن ؛ ثم تناولهن فوضعهن في يد أبي بكر فسبحن حتى سمعت لهن حنينا
كحنين النحل ؛ ثم وضعهن فخرسن ؛ ثم تناولهن فوضعهن في يد عمر ؛ فسبحن حتى
سمعت لهن حنينا كحنين النحل ؛ ثم وضعهن فخرسن ؛ ثم تناولهن فوضعهن في يد
عثمان فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل؛ ثم وضعهن فخرسن؛ فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: هذه هي خلافة النبوة.."
وعلى منوال الآية الكريمة "﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وأحيى﴾." قال أبي صخر الهذلي
أما والذي أبكى وأضحك والذي أمات وأحيى وأمره الأمر
وقد قال عمار بن ياسر عن والديه اللذين استشهدا وسبقاه إلى الجنة:
إنهم عند ربهم في جنان يشربون الرحيق والسلسبيلا
من شراب الأبرار خالصه المسك وكأسا مزاجها زنجبيلا
فنحسه في هذه الأبيات كأنما يردد قوله تعالى :"﴿وَيُسْقَوْنَ مِنْهَا
كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاَ عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى
سَلْسَبِيلاَ﴾."
كما كان للقصص القرآني موردا يستمدون منه أفكارهم وتشبيهاتهم ومن ذلك قول النابغة الجعدي
فأصبح في الناس كالسامري إذ قال موسى له لا مساس
وهو يشير إلى قصة سيدنا موسى عليه السلام مع السامري في الآية الكريمة:"﴿
قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الحَيَاةِ أَََنْ تَقُولَ لآ مِسَاسْ.﴾."
ويقول حسان بن ثابت:
يكون إذا بث الهجاء لقومه ولاح شهاب من سنا البرق واقد
كأشقى ثمود إذ تعاطى بسيفه خصيلته أم السقب والسقب وارد
فؤلى فأوفى عاقلا رأس صخرة نما فرعها واشتد منها القواعد
فقال ألا فاستمتعوا في دياركم فقد جاءكم ذكر لكم ومواعد
ثلاثة أيام من الدهر لم يكن لهن بتصديق الذي قال زائد
فحسان يشبه الرجل الذي يهجوه بالرجل الذي عقر ناقة النبي صالح عليه السلام
ونجد خبره في الآية الكريمة:"﴿إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا﴿12﴾ فَقَالَ
لَهُمْ نَبِيُّ الله نَاقَةَ اللهِ و سُقْيَاهَاِ﴾." وفي قوله إذ تعاطى
بسيفه استمدها من قوله تعالى: "﴿فَنَادُوا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى
فَعَقَرْ﴾." ثم انتقل إلى المعنى الذي استقاه من قوله تعالى:"﴿فَقَالَ
تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَة أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرَ
مَكْذُوبٍ﴾."
هذا ولم يقتصر أسلوب الاقتباس على القرآن الكريم وحده بل تعداه الشعراء إلى
الاقتباس والتأثر بالحديث النبوي الشريف ؛يقول حسان بن ثابت:
فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا لمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر
أو قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:
وجعفر الذي يضحى ويمسي يطير مع الملائكة ابن أمي
فكلاهم يشير إلى قول النبي صلى الله عليه وسلّم: إنّ الله جعل لجعفر جناحين
مضرجين بالدم يطير بهما مع الملائكة." وفي رواية ثانية "مرّ عليّ جعفر في
الملائكة يطير كما يطيرون له جناحين.."
لقد تنوعت الأساليب التي لجأ إليها الشعراء المخضرمون بتنوع المواقف التي
استدعت قول الشعر؛ إلا أنّ الأسلوب الذي طغى على أشعارهم كان الأسلوب الجزل
السهل.
وكان في أساليبهم أسلوب النداء ؛ الاستفهام ؛ القسم ؛ النهي ......فمن النداء قول حسان بن ثابت:
يا ركن معتمد وعصمة لائد وملاذ منتجع وجار مجاور
يامن تخيره الإله لخلقه فحباه بالخلق الزكي الطاهر
وقول عبد الله بن رواحة:
يا رب إني مؤمن بقيله إني رأيت الحق في قبوله
بأن خير القتل في سبيله اليوم نصر بكم على تنزيله
ومن أسلوب القسم قول كعب بن مالك:
أقسمت بالله يا نفس لتنزله طائعة أو لتكرهنه
أن أجلب الناس وشد والرنة مالي أراك تكرهين الجنة
ويقسم كعب بن معدان الأشقري برب المناسك
أني ورب منى وما جمعت يوم الحجيج والأشهر الحرم
وفي أسلوب الاستفهام يقول كعب بن مالك:
أتحسب أولاد اللقيطة أننا على الخيل لسنا مثلهم في الفوارس
وأنا أناس لا نرى القتل سبة ولا تنثني عند الرماح المداعس
وقول حسان بن ثابت في مرثيته للنبي صلى الله عليه وسلم:
ما بال عينك لا تنام كأنما كحلت مآقيها بكحل الأرمد
أأقيم بعدك بالمدينة بينهم يا ليتني صبحت سم الأسود
وكان أسلوب الدعاء من الأساليب الجديدة الوافدة مع الدين الجديد على الشعر ومنه قول النعمان بن البشير
رب إني ظلمت نفسي كثيرا فاعف عني أنت الغفور الودود
وقني شر من أخاف فإني مشفق خائف لما تستعيد
وهذا ضرار بن الأزور يتضرع إلى الله
عليك ربي في الأمور المتكل اغفر ذنوبي إن دنى مني الأجل
يا رب وفقني إلى خير العمل عني وامح سيدي كل الزلل
فالشعراء المخضرمون كتبوا بأساليب متنوعة قالبها واحد هو الجزالة والسهولة.
1_2 الألفاظ والمعاني:
لقد استفاضت الألفاظ الدينية الإسلامية في شعر المخضرمين في صدر الإسلام
؛لما أوحى به الدين الجديد للشعراء من ألفاظ لم يكن لهم بها سابق علم
كالجنة والنار والشهادة والبعث والقيامة...فوظفوها في أشعارهم ونسجوا منها
الأبيات ونظموا عليها القصائد الملاح ..ومن ذلك قول صفية بنت عبد المطلب:
دعاه اله الحق ذو العرش دعوة إلى جنة يحي بها وسرورا
فلو لا إسلام صفية أنى لها أن تعرف الله الحق ذو العرش وأنّا لها بمعرفة الجنة؟..
ويقول حسان بن ثابت:
فأنذرنا نارا وبشر جنة وعلمنا الإسلام فالله نحمد
فنجده استخدم ألفاظا جديدة لم نألفها في شعر حسان الجاهلي وهي: الجنة
والنار؛ الإسلام الله؛ الإنذار والتبشير والحمد فكانت كلها ألفاظ ارتبطت
معانيها ودلالاتها بالدين الجديد.
أما كعب بن مالك فقد وصف شهداء أحد بعبارات إسلامية فيقول:
وقتلاهم في جنان النعيم كرام المداخل والمخارج
فكثرت هذه الألفاظ في الشعر ؛ وكأنما الشعراء كانوا يتسابقون إلى حشوها
وتضمينها في قصائدهم بكثرة؛ فنلمس نحن من بعد ذلك نفورهم – وإن صح التعبير
مللهم- من تلك الألفاظ التي استخدموها آنفا ؛ فليس الصعب كالسهل ولا الغريب
كالمألوف اليسير من الألفاظ.
وقد شحنت المعاني الإسلامية في القصيدة العربية عند الشعراء المخضرمين ؛
فزادت من قوة إيحاءات البيت الشعري فكما كان نصيب للألفاظ كان للمعاني نصيب
أوفر فيها.
ولما كانت الغاية من إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى العرب هي نبذ
الأوثان وإقرار وحدانية الله تعالى فمثل لنا كعب بن مالك هذه الفكرة وذالك
المعنى بقوله:
بأن الله ليس له شريك وأن الله مولى المؤمنين
كما كان من شرائع الدين الإسلامي الإيمان بالقدر وبحتمية الموت وانتهاء الأجل فصور لنا محمد بن خالد بن الوليد ذلك بقوله:
هل في الخلود إلى القيامة مطمع أم للمنون عن ابن آدم مدفع
هيهات ما للنفس من متأخر عن وقتها لو أن علما ينفع
أما حسان بن ثابت فقد صورة لنا معنى الوحدانية الإلـهية وقيمة القرآن الكريم فيقول:
ونعلم أن الله لا رب غيره وأن كتاب الله أصبح هاديا
وقد ترسخت في عقول المسلمين آنذاك فكرة الحساب بعد الموت فمثلوا هذا المعنى في أبيات كثر منها:
فويـحي من الموت الذي هو واقع وللموت باب أنت لا بد داخله
وكيف يلذ العيش لـمن هو عالم بأن الله إلـه الخلق لا بد سائله
كما تمثلوا معنى وجوب الجهاد الذي أمر به الله تعالى فعد في ذلك العصر
الركن السادس من أركان الإسلام؛ فيقول النابغة الذبياني مخاطبا زوجته:
يا ابنة عمي كتاب الله أخرجني طوعا وهل أمنع الله ما فعلا؟
فإن رجعت فرب الناس أرجعني وإن لحقت بربي فابتغي بدلا.
وقد تمثل كعب بن مالك معنى نزول الوحي من الله تعالى على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فيقول:
تدلى عليه الروح من عند ربه ينزل من جو السماء ويرفع
فشعراء صدر الإسلام من المخضرمين استبدلوا وحشي الألفاظ وغريب المعاني
بسهولة التعابير وسلاسة الآداء وبالدقة في التراكيب وإيراد المعنى المقصود
مباشرة بسياق جيد الحبك جديد الأسلوب.
فقد تميزت "أغلب قصائد العهد الإسلامي بسهولة التعبير وجمال الأداء والدقة
في التراكيب والمعاني ؛ والعناية باللغة وبمستويات الأداء الشعري ومن هنا
فإن القصيدة الإسلامية كانت تخالف القصيدة الجاهلية في مستوى التعبير
والناحية الفنية ."
إلا أننا ورغم هذا التميز والتغير والتجديد ؛ نجد في الطرف المقابل أن بعض
الشعراء حافظوا على جاهليتهم الشعرية فهؤلاء الشعراء"كانوا لا يزالون على
ديدن آباءهم يقدسون السنن الجاهلية التي ورثوها في الشعر" ؛ فنجد أن
قصائدهم قد خلت من كل مسحة إسلامية تدل على خضرمية قائليها ؛ فلا أسلوبهم
أسلوب إسلامي ولا ألفاظهم تمت بصلة إلى الإسلام ؛ إلا أن هذا النوع من
القصائد الإسلامية كان قليلا جدا إذا ما قارناه بالقصائد الأخرى.
3_1-الموضوع:
إن المتأمل والمتمعن في شعر الشعراء المخضرمين في صدر الإسلام ؛ يدرك من
الولهة الأولى السمة الطاغية على أغلب القصائد وهي الوحدة الموضوعية والتي
تولدت من وحدة الغرض الشعري نفسه ؛ فشعر هذه الفترة الزمنية كان أغلبه شعر
مقطوعات – أي أنه لم يتجاوز في أغلبه العشرة أبيات –
و هذا القصر في القصيدة بتر تعدد الموضوعات في حين نجد أن القصائد الطوال حافظت على سننها الجاهلية في ذلك.
و قد تباينت آراء النقاد حول "تحديد مصطلح موضوعات القصيدة العربية فمنهم
من يسميها أغراض الشعر ومنهم من يسميها بيوت الشعر ومنهم من يسميها أركان
الشعر."
أغراض الشعر:
لم يقل الشعراء المخضرمون في صدر الإسلام في كل الأغراض التي كانوا يخوضون
فيها في القول في الجاهلية " فقد اختفت من شعرهم الأغراض التي تصور طيش
الشباب ونزوات النفس ، كالغزل الحسي الفاحش ، الهجاء المقذع ، الخمريات.."
لأن تعاليم الدين الجديد كانت محرمة لتلك النزوات في مقابل ذلك قويت أغراض
شعرية أخرى ؛ فشاعت وذاع صيتها بين الشعراء لأن الحياة آنذاك اقتضتها
كالمدح والهجاء الرثاء...و هذه الأغراض هي:
1-المدح: كان الغرض منه في صدر الإسلام مغايرا له في الجاهلية ؛ ففي
الجاهلية كان الشعراء يمتدحون الناس بغية التكسب ؛ أما في صدر الإسلام فقد
انبرى الشعراء في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم بغية المثوبة والأجر من
الله تعالى وبغية تعريف الناس بخلق النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول حسان بن ثابت مادحا النبي صلى الله عليه وسلم :
أغـر علـيه النـبوة خـاتم مـن الله مشهود يلوح ويشهد
و ضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذ قـال في الخمس المؤذن أشهد
و شق لـه من اسـمه ليجله فـذو العرش محمود وهذا محمد
نـبي أتى بعد يأس وفترة من الرسل والأوثان في الأرض تعبد
فأمسى سراجا مستنيرا وهاديا يـلوح كما لاح الصقيل المهند
"ولحسان في مدح النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب غير الأسلوب الذي عهدناه في
الجاهلية ؛ فهو لا يشبه مـحمدا صلى الله عليه وسلم بالأسد...ولا يـمعن في
وصف جوده وسخاءه كمن يريد الإستجاء والتكسب من ممدوحه بل يعنى بوصف شـمائله
الغر ؛ ويلح في ذكـر الرسالة ؛ والتصديق بـها ... فهو جديد في نوعه
وطريقته جديد في تعـابيره وألفاظه جديد في النفحة الدينية العابقة منه..."
ولم يكن حسان المادح الوحيد للنبي صلى الله عليه وسلم فقد كثر المداحون له
وتسابق الشعراء لذلك ؛ فهذا هو أنس بن زنيم الذي كان قد هجا النبي صلى الله
عليه وسلم ؛ قدم إليه معتذرا بعد توبته وأنشده مادحا إياه قائلا:
ومـا حملت من ناقة فوق رحلها أبر وأوفى ذمة من محمد
كما لم يقتصر المدح على النبي صلى الله عليه وسلم لوحده بل و تمدح الشعراء
بالصحابة الكرام _رضي الله عنهم- كما فعل شاعر النبي صلى الله عليه وسلم _
حسان بن ثابت_ مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه حينما نال منه قوم بألسنتهم
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم حسانا بالرد عليهم بأبيات يمدح فيها أبا بكر
فقال:
إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
والثاني اثنين في الغار المنيف قد طاف العدو به إذ صعد الجبلا
وكان حب رسول الله قد علموا من البرية لم يعدل به رجلا
خير البرية أتقاها وأرأف بها بعد النبي وأوفاها بما حملا
2_الفخر والحماسة: يقول ابن رشيق:" الافتخار هو المدح نفسه؛ إلا أن الشاعر
يخص به نفسه وقومه؛ وكل ما حسن في المدح حسن في الافتخار ؛ وكل ما قبح في
المدح قبح في الافتخار.."
أما الحماسة فهي التعبير عن عمق الشجاعة والجرأة لدى الشاعر ودعوته إليها .
والفخر في هذه الفترة ؛ تشرب روحا إسلامية ؛ فبعد أن كان الجاهليون يفتخرون
بأنفسهم وقومهم ؛ يفتخرون بالقوة والظلم والغلبة ؛ صار المخضرمون يفتخرون
بالنصر وإعلاء كلمة الحق ونصرة النبي صلى الله عليه وسلم والفخر بإسلامهم
ونصرة الملائكة لهم...
فهذا النعمان بن عجلان يفتخر بنصرة الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم للمهاجرين واستقبالهم لهم فقال :
فقل لقريش نحن أصحاب مكة ويوم حنين والفوارس في بـدر
نصرنا و آوينا النبي ولم نخف صروف الليالي والعظيم من الأمر
وقلنا لقوم هاجروا مرحبا بكم وأهلا وسهلا قد أمنتم من الفقر
نقاسمكم أموالنا وديارنا وكنا أنـاسا نذهب العسر باليسـر
أما كعب بن مالك ؛ فقد افتخر بأصله ونسبه ونصرة الأنصار قومه للنبي صلى الله عليه وسلم :
ألا أيها السائلـي عن عشيرتـي هلم إلى أهل المكارم و الفخـر
أنا بن مباري الريح عمرو بن عامر نموت إلى قحطان في سالف الدهر
نصرنا رسول الله إذ حـل بينـنا بـبيض اليمانـي المثقفة السمـر
وقال حسان بن ثابت مفتخرا بيوم بدر يوم انتصر المسلمون على الكفار رغم قلة عددهم:
سـمونا يوم بدر بالعوالـي سراعا ما ضعضعنا الحتوف
فلم تر عصبة في الناس أنكى لمن عادوا إذا لحقت كشوف
ولـكـنا تـوكـلنا وقلـنـا مـآثـرنا ومعـقلنا السـيوف
لـقـينـاهم بها لمـا سمونا ونحن عصـابة وهـم ألوف
3-الهجاء: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر به الشعراء فكان يقول لحسان بن ثابت " اهجهم وروح القدس معك".
و"الهجاء ضد المدح فكلما كثرت أضداد المديح في الشعر كان أهجى له ؛ ثم تنزل
الطبقات على مقدار قلة الأهاجي فيها و كثرتـها ؛ ولما كان المدح الجيد
إنما يكون بالفضائل النفسية فكذلك الهجاء الجيد إنما يكون بسلب هذه
الفضائل."
وكان هذا الغرض أكثر الأغراض الشعرية استخداما في شعر المخضرمين ضد
المشركين؛ وكان حسان بن ثابت الأنصاري أول من سل لسانه في هجاء قريش للرد
على أبي سفيان الذي كان قد هجا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:
هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذلك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء
هجوت مباركا برا حنيفا أمين الله شيمته الوفـاء
أمن يهجوا رسول الله منكم ويـمدحه وينصره سواء
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقـاء
أما كعب بن مالك فقد هجا يهود بني النضير الذين أرادوا قتل النـبي صلى الله عليه وسلم فقام بـحصارهـم ست ليال فقال:
لقد خزيت بغدرتها الحبور كذاك الدهر ذو صرف يدور
وذلك أنهم كفـروا برب عـزيز أمـره أمـر كبـير
فلما أشربوا غدرا وكفرا وحاد بهم عن الحـق النفور
أرى الله النبي برأي صدق وكان الله يـحكم ولا يجور
فتلك بنو النضير بدار سوء أبارهم بـما اجترموا المبـير
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد وجه كلا من حسان بن ثابت، كعب بن مالك
،وعبد الله بن رواحة إلى أسـاليب الهجاء المختلفة " فكان كعب بن مالك
للهجاء بالأيام ، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له أنت تحسن
صنعة الحرب ؛ وحسان للهجاء بالمثالب ولذلك أمره بالذهاب إلى أبي بكر ليتعلم
منه أنساب العرب ومثالبها أما عبد الله فكان للهجاء بالكفر والشرك."
وما يلاحظ على الهجاء الذي قاله الشعراء المخضرمون أنه كان خاليا من الشتم
والسب و القذف ، وذلك اقتداء بتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم وأوامره في
قوله " انتصروا ولا تقولوا إلا حقا ؛ ولا تذكروا الآباء والأمهات."وهذا ما
ميز هذا الغرض عنه في الجاهلية.
4_الرثاء: استمر في صدر الإسلام على نحو ما كان معروفا في الجاهلية من ذكر
محاسن الميت ومآثره ومناقبه إلا أنه في صدر الإسلام خص بالشهداء "
فالمسلمون
الأوائل أصيبوا في أنفسهم لما اضطروا إلى محاربة المشركين وخوض الفتوحات
الإسلامية ؛ فاستشهد منهم الكثير وقتل ظلما بعض الخلفاء وكبار الصحابة.."
فكان لفقد حمزة بن عبد المطلب إثر استشهاده في معركة أحد ؛ أثر بالغ في نفس
الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة فرثاه كعب بن مالك بقوله:
صفية قـومي ولا تعجزي وبكي النساء على حـمزة
ولا تسأمي أن تطيلي البكا علـى أسد الله فـي الهزة
فقـد كان عزا لأيتامـنا وليث المـلاحم فـي البزة
يريد بذاك رضا أحمـد و رضوان ذي العرش والعزة
وقد رثاه عبد الله بن رواحة في لاميته التي يقول فيها:
بكت عيني وحق لها بكاها ومـا يغني البكاء ولا العويل
على أسد الإله غداة قالوا أحـمزة ذاكم الرجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعا هناك وقد أصيب به الرسول
أبا يعلى لك الأركان هد ت وأنت الماجد البر الوصول
عليك سلام ربك في جنان مـخـالطها نعيم لا يـزول
وكانت مصيبة المسلمين أكبر وأعظم بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم فرثاه
الشعراء بمرثيات انسابت كلماتها في أفواههم انسياب الماء في مجرى النهر
فصوروا لنا ذلك المصاب الجلل كل بطريقته .
فهذا عبد الله بن أنيس يتمنى الموت فداء للنبي صلى الله عليه وسلم فيقول:
تطاول ليلي واعترتني القوا رع وخطب جليل للـبلية جـامع
غداة نعى الناعي إلينا مـحمد وتلك التي تستك منها المـسامع
فلو رد ميتا قتل نفسي قتلتها ولكنه لا يدفع الـموت دافـع
فآليت لا أثني على هلك هالك من الناس ما أوفى ثبـير وقـارع
ولكنني باك عـليه ومـتبع مصـيبة إنـي إلى الله راجـع
ومن أرق مراثي النبي صلى الله عليم وسلم مرثية حسان بن ثابت التي قال فيها:
ما بال عينيك لا تنام كأنـما كحـلت مآقـيها بكحل الأرمـد
جزعا على المهدي أصبح ثاويا يا خير من وطئ الحصى لا تبعد
يا ويح أنصار النبي ورهـطه بعد المتغيب في الطريح المـتلحد
5_النقائض: هو غرض من الأغراض الشعرية عرف منذ الجاهلية و" هي قصيدة يقولها
الشاعر في غرض من الأغراض من أي بحر و قافية فيرد عليه شاعر آخر بقصيدة
فيها معانيها ملتزما الوزن و القافية والروي عند الشاعر الأول.. "
وقد برع في هذا المجال الشعراء الثلاثة: حسان بن ثابت , كعب بن مالك , عبد
الله بن رواحة إلا أنه لم يقتصر عليهم ؛ فهذا ضرار بن الخطاب يقول في غزوة
بدر:
عجيب لفخر الأوس والحين دائر عليهم غدا والدهر فيه بصائر
وفخر بني النجار أن كان معشر أصيبوا ببدر كلهم ثم صابر
فإن تك قتلى غودرت من رجالنا فإنا رجال بعدهم سنغادر
فأجابه كعب بن مالك في نقيضته التي قال فيها:
عجـبت لأمر الله والله قـادر عـلى ما أراد لـيس لله قاهر
قضى يوم بدر أن نلاقى معشرا بغوا وسبيل البغي بالناس جائر
وفينا رسول الله والأوس حوله له معقل منهم عزيز وناصر
وقال هبيرة بن أبي وهب في يوم أحد:
مابال هم عميد بات يطرقني بالود من هند إذ تعدو عواديها
باتت تعاتبني هند وتعذلني والحرب قد شغلت عني مواليها
مهلا فلا تعذليني إن من خلقي ما قد علمت وما إن لست أخفيها
مساعف لبني كعب بما كلفوا حمال عبء وأثقال أعانيها
فرد عليه حسان بن ثابت من نفس الوزن والروي فقال:
سقتم كنانة جهلا من سفاتكم إلى الرسول فجند الله مخزيها
أوردتموها حياض الموت ضاحية فالنار موعدها والقتل لاقيها
ألا اعتبرتم بخيل الله إذ قتلت أهل القليب ومن ألقينه فيها
كـم من أسير فككناه بلا ثمن وجـز ناصـية كنا مواليها
وقد اقتصرت النقائض في هذا العصر على غرض واحد هو الهجاء بين الشعراء المسلمين والمشركين.
6-المغازي والفتوح: كثرت المعارك والغزوات التي خاضها المسلمون لنشر الدين
الجديد في كل الأقطار ؛ فواكب الشعراء المخضرمون تلك الحروب بين المسلمين
والمشركين؛ فكان النصر من نصيب المسلمين" في غزوتي بدر الكبرى سنة 2للهجرة
والخندق سنة 5للهجرة وانتصر المشركون عليهم في غزوة أحد سنة 3للهجرة.."
قال حسان بن ثابت يوم بدر:
لقد علمت قريش يوم بدر غداة الأسر والقتل الشديد
قتلنا ابني ربيعة يوم سارا إلينا في مضاعفة الحديد
وفر بها حكيم يوم جالت بنو النجار تخطر كالأسود
أما في غزوة الخندق فقد قال كعب بن مالك:
فليأت مأسدة تسن سيوفها بين المذاد وبين جزع الخندق
دربوا بضرب المعلمين وأسلموا مهجات أنفسهم لرب المشرق
في عصبة نصر الإله نبيه بهم وكان بعبده ذا مرفق
7_الحكمة: لم تفرد لها القصائد بل كانت تأتي في ثنايا قصيدة خصت لغرض آخر؛
وقد عرف في الجاهلية بهذا الغرض زهير بن أبي سلمى فسمي بالشاعر الحكيم ؛
وهاهو ذا ابنه كعب يسير على خطاه إذ يقول:
لو كنت أعجب لشيء لأعجبني سعي الفتى وهو مخبوء له القدر
يسعى الفتى لأمور ليس يدركها والنفس واحدة والهم منتشر
ويقول في حكمة أخرى:
إذا أنت لم تقصر على الجهل والخنا أصبحت حليما أو أصابك جاهل
أما الحطيئة فيقول:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس
ويقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:
الدهر يخنق أحيانا قلادته عليك لا تضطرب فيه ولا تثيب
حتى يفرجها في حال مدتها فقد يزيد إخناقا كل مضطرب
8-الزهد والورع: حوّر الإسلام نظرة الناس إلى الحياة الدنيا من منطلق
اكتفاء الناس بالقليل من متاعها ؛ وإفناء حياتهم طلبا لآخرتهم على نحو
الآية الكريمة :
"﴿وَمَا الحَيَاةِ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورْ﴾." فكان هذا هو
مبدأهم في الحياة فتبنى الشعراء هذه الفكرة في هذا العصر وبنو عليها
القصائد؛ يقول الحطيئة:
ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد
وتقوى الله خير الزاد ذخرا وعند الله للأتقى مزيد
وما لا بد أن يأتي قريب ولكن الذي يمضي بعيد
فكان زهدهم في الدنيا خوفا من شقاء في الآخرة ؛ يقول جرير:
إن الشقي الذي في النار منزله والفوز فوز الذي ينجو من النار
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عليه كان ذو سعة من المال ؛ فزهد في دنياه
وتصدق بما أوتي من مال إلى بيت مال المسلمين حتى صار لا يملك شيئا فقال:
فمن يجاري أبا حفص وسيرته أمن يحاول للفاروق تشبيها
إذا اشتهت زوجه الحلوى فقال لها من أين لي بثمن الحلوى فأشتريها
ما زاد عن قوتنا فالمسلمون به أولى فقومي لبيت المال رديها.
9_الغزل: رفع الإسلام من شأن المرأة وبوّأها مكانة مرموقة ؛ فبعد أن كان
الشاعر الجاهلي يتغزل بها غزلا ماجنا فاحشا مصورا جانبها الحسي الجسدي
بتفاصيله؛ جاء الإسلام وحرم ذلك فصار الشعراء المخضرمون
يتغزلون بالجانب المعنوي لها؛- إلا أننا وإن أطلنا البحث- لم نجد لهذا
الغرض أثر كبير في قصائد الشعراء وخصوصا في فترة حياة النبي صلى الله عليه
وسلم؛ يقول كعب بن زهير في بردته:
بانت سعاد فقلـبي اليوم متبول متيم إثرها لـم يـجز مكبـول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول
وقال مجنون ليلى :
فوالله ثم الله إني لدائب أفكر ما ذنبي إليك و أعجب
ووالله ما أدري علام قتلتني و أي الأمور فيك يا ليل أركب
أأقطع حبل الوصل فالموت دونه أم أشرب رتقا منكم ليس يشرب
أم أهرب حتى أرى لي مجاورا أم أصنع ماذا أم أبوح فأغلب
المبحث الثاني :
البناء الفني الخارجي للقصيدة:
1_الشكل:
تغير شكل القصيدة في صدر الإسلام عما كان عليه في الجاهلية ؛ فاختفت _في
أغلب القصائد_ تلك المقدمات على اختلافها طللية كانت أو غزلية ؛ التي كان
يلتزم بها الشعراء ؛ " ولم يكن هذا التحول والتغير الذي طرأ على القصيدة
العربية وليد يوم وليلة ؛ وإنما استغرق زمنا حتى بدت معالمه واضحة ؛ لأن
القرن الأول الهجري كان بمثابة المحصلة المشتركة التي استطاعت فيها معالم
الحياة العربية أن تتكيف ويتضح معدنـها حتى أصبح بإمكاننا أن نحدد بوادر
التجديد في البناء الفني للقصيدة."
فهاهو ذا حسان بن ثابت يدعو إلى ترك هذا التقليد الشعري فقال:
فدع الديار وذكر كل خريدة بيضاء آنسة الحديث كعاب .
ولعل سبب تخلي الشعراء المخضرمين عن التقليد الطللي في القصيدة يعود إلى
كون شعرهم في أغلبه شعر مقطوعات ؛ إذا استثنينا شعر الدواوين ؛ فلم يكن من
المنطقي الابتداء بمقدمة في مقطوعة لم تتجاوز العشرين بيتا ؛ فكان الشعراء
يقصدون غرضهم مباشرة ف "نجد أن المطلع الإسلامي قد تخلص من هذه التقاليد
الموروثة بسبب ظروف العصر التي اقتضت الارتجال والرد السريع.."
فالشاعر المخضرم وجد نفسه مطالبا بسرعة الرد في المواقف التي تقتضي الدفاع
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الإسلام والمسلمين ؛ فلا يمكن أن
يقاوم تلك التيارات الجارفة من المعاني والأفكار ولا تستطيع نفسه إرجاءها
بمقدمات قد لا تتلاءم مع المقام.
فاستبدلوا تلك المقدمات أحيانا بمقدمات دينية جديدة كانت بدايتها في هذا
العصر ثم كثرت وشاعت في العصر الأموي يقول يوسف خليف :" والشيء الذي نريد
أن نسجله هو أن هذه المقدمات تعد شيئا جديدا في الشعر العربي في ذلك الوقت
وإنها تعد بلا شك مقدمة لظهور المقدمات الدينية في هاشميات الكميت."
وفي المقابل نجد من الشعراء الذين "كانوا لا يزالون على ديدن آباءهم يقدسون
السنن الجاهلية التي ورثوها في الشعر وغير الشعر..." فكانوا يلتزمون بعمود
الشعر كما في جاهليتهم.
كما يلاحظ على شعر تلك الحقبة الزمنية ؛ أن السمة الغالبة عليه هي القصر ؛
ويتضح ذلك جليا إذا ما قارنا الشعر الجاهلي والإسلامي للشعراء المخضرمين
حيث" يتبين بوضوح مدى الازدياد الملحوظ في قصر القصائد في ظل الإسلام ؛
فحسان بن ثابت قصائده الجاهلية القصيرة تسع ؛ بينما نجد له ثلاث وثمانون
قصيدة إسلامية قصيرة عدد أبياتها عشرون بيتا فما دون.."
ومع غياب المقدمات في القصيدة ؛ تصدرت أشعار ذلك العصر وتكرر في مقدمتها
لفظ أبلغ ؛ لطبيعة الجدل الذي سيطر على تلك الفترة فحسان بن ثابت يتصدر
قصيدة في هجاء أبي سفيان :
أبلغ أبا سفيان أن محمدا هو الغصن ذو الأفنان لا الواحد الوغد.
وتصدر قصيدة في هجاء أبي لهب بقوله:
أبلغ أبا لهب بأن محمدا سيعلو الذي يهوى وإن كنت زاعما.
كما نجد في ديوان كعب بن مالك عشرات القصائد التي تبتدئ بهذا اللفظ :
أبلغ أبيا أنه قال رأيه وحان غداة الشعب والحين واقع
ولقد أثر ابتعاد الشعراء المخضرمون عن مقدمة القصيدة في طريقة الانتقال من
غرض إلى غرض "فالشاعر الجاهلي كان يثب بين موضوعاته داخل القصيدة الواحدة ؛
عبر مرتكزات فنية جاهزة تعكس إحساسه بالوحدة ؛ بينما أصبح تحول الشاعر
الإسلامي تحولا فجائيا ؛ وكأن هذا الانتقال الفجائي يوحي للسامع بعدم
اهتمام الشاعر بهذه المقدمة وما قالها إلا تقليدا ؛ يتوصل منه إلى غرضه
وقضيته الأهم هي الغرض الذي من أجله قال فيه القصيدة."
2_الوزن والقافية:
يعتبر الوزن والقافية العلامة المميزة بين الشعر والنثر ؛ يقول الفرابي "
الوزن أعظم أركان حد الشعر وأولاها بها خصوصية." ولما كان الوزن أهم عناصر
الشعر فلابد من التحدث عن البحور الشعرية التي استعملها الشعراء المخضرمون ؛
ولكثرتهم سنقوم بدراستها عند شاعرين من أصحاب الدواوين فنلاحظ أنهما "لم
ينظموا في جميع البحور حيث أنه لم يعثر على خمسة بحور كاملة في أشعارهما
وهي : الهزج ؛المضارع؛ المقتضب؛ المجتث ؛ المتدارك؛ وأما البحور الباقية:
الطويل ؛الكامل ؛ الوافر؛الخفيف ؛ البسيط؛ المتقارب؛ الرمل؛ المديد ؛
الرجز؛ المنسرح؛ السريع؛ فقد وردت في أشعارهم بنسب متفاوتة..." يقول حسان:
لا يرفع الناس ما أوهت أكفهم عند الدفاع ولا يوهون ما رفعوا
/0/0//0/0//0/0/0//0//0 /0/0//0///0/0/0//0///0
مستفعلن فاعلن مستفعل فعل مستفعلن فعلن مستفعلن فعلن
الـقـافـيـة:
ركن من الأركان التي تدخل في بناء القصيدة الشعرية؛ يعرفها الفراهيدي
بأنها:"آخر حرف في البيت إلى أول ساكن يليه من قبله مع حركة الساكن الذي
قبله..."
لم يستعمل الشعراء في صدر الإسلام كل الحروف في قوافيهم ؛ حيث قسمت القوافي إلى:
"قوافي الذلل :الراء ؛ الباء؛ الدال؛النون؛ الميم؛ الباء؛ العين." فحظي
الراء والميم بأكبر نسبة استعمال عند الشعراء المخضرمين ففي الراء مثلا
يقول كعب بن زهير:
ورثوا المكارم كابرا عن كابر إن الخيار هم بنو الأخيار
ومن قافية الميم يقول حسان:
ابك بكت عيناك ثم تبادرت بدم تعل غروبها سجام
ولم ينظموا في "قوافي الحوش:ثاء؛ خاء؛ ذال ؛ شين؛ طاء ؛ غين؛ هذا الاستقراء
لاحظه عبد الله الطيب حيث قال : وأما الخاء فما دخلت شعرا إلا أفسدته."
وأما "قوافي النفر: الصاد؛ الزاي؛ الضاد ؛ الهاء؛ الواو.." فقد تباينت
نسبتهما في استعمالات شعراء صدر الإسلام إلا أنها كانت قليلة جدا.
يقول عبد الله بن رواحة:
قد أنزل الله في تنزيله في صحف تتلى على رسوله
وهكذا فشعر المخضرمين اتسم بوحدة الموضوع ؛ وحدة البناء ؛وحدة القافية والوزن.
رد: مذكرة تخرج بناء القصيدة في صدر الإسلام 2013 2014
الخميس يناير 24, 2013 5:21 pm
الفصل الثالث نموذج تطبيقي{بانت سعاد}
قصيدة البردة لكعب بن زهير:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لـم يـجز مكبـول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول
هيفاء مقـبلة عجزاء مدبـرة لا يشتكى قصر منها ولا طـول
تـجلوا عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت كأنه منهل بالراح معلول
شجت بذي شبم من ماء محينة صاف بأبطح أضحى وهو مشمول
تجلو الرياح القذى عنه وأفرطه من صـوب سـارية بيض يعاليل
يا ويـحها خلة لو أنها صدقت ما وعدت أو لو أن النصح مقبول
لكنها خلة قـد سيط من دمها فجع وولـع و إخلاف و تبديـل
فما تدوم على حال تكون بها كـما تلون في أثوابـها الغـول
وما تمسك بالوصل الذي زعمت إلا كما تـمسك الماء الغرابيـل
كانت مواعيد عـرقوب لها مثلا ومـا مواعيدهـا إلا الأباطيـل
أرجـو وآمـل أن يعجلن في أبد وما لـهن طـوال الدهر تعجيـل
فلا يغرنك ما منت وما وعـدت إن الأمانـي والأحـلام تضليـل
أمسـت سعاد بأرض لا يبلغـها إلا الـعتاق النجيات المراسيل
ولـن يبلـغـهـا إلا عذافـرة فيها على الأين إرقال وتبعيـل
من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت عرضتها طامس الأعلام مـجهول
ترمي الغيوب بعيني مـفرد لـهق إذا توقـدت الـحزان والمـيل
ضخم مقلـدها فعم مقليدها في خلقها عن بنات الفـحل تفضيل
غـلباء وجناء عـلكوم مذكرة فـي دفهـا سعة قدامـها ميل
وجلدهـا من أطـوم ما يؤيسه طلـح بضاحية المتنـين مهزول
حرف أخوهـا أبوها من مهـجنة وعـمـها خالـها قـوداء شـمليل
يـمشي القراد علـيها ثم يزلـقه مـنـها لبان و أقـراب زهـاليـل
عـيرانة قذفت في اللحم عن عرض مـرفقـها عن بنات الزور مفتـول
كأن ما فات عينـيها ومذبـحهـا مـن خطمها ومن اللحيـين برطيل
تمر بـمثل عسيب النحل ذا خصل فـي غارز لم تـخونه الأحاليـل
قنواء في حرتـيها للبصـير بـها عتق مبـين وفي الخدين تسهيـل
تخـدي عـلى يسرات وهي لاحقة ذوابـل وقـعـهن الأرض تـحليل
سمر العجيات يتركن الحصى زيما لـم يقـهن رؤوس الأكم تنـعيـل
يـوما يظل به الـحرباء مصطخما كـأن ضـاحيـه بالـنار مـملول
يومـا يظل حـداب الأرض يرفعها مـن اللوامـع تـخليـط وتـزييل
كـأن أوب ذراعيها وقـد عرقـت وقـد تلفـع بالقـور العسـاقيـل
وقال للقوم حـاديهم وقـد جعلـت ورق الجنادب يركضن الحصى قيلو شـد النـهـار ذراعا عيطل نصف قامـت فجـاوبـها نكـد مثاكيـل
نواحة رخـوة الـضبعين ليـس لها لـما نعـى بكرها النـاعون معقول
تـفري اللـبان بكفيها ومدرعـها مشـقق عـن تراقـيـها رعابـيل
يسعـى الوشـاة بجنبيها وقولـهم إنـك يا ابـن أبي سلـمـى لمقتول
وقـال كـل خليـل كنـت آمـلـه لا ألـفيـنك إنـي عنـك مشغـول
فقـلت خلي طريـقي لا أبا لكـم فـكل مـا قـدر الرحمـن مـفعول
كل ابن أنثـى وإن طالت سلامته يـوما عـلى آلة حـدبـاء محمـول
أنـبئت أن رسـول الله أوعـدني والـعفو عنـد رسول الله مـأمـول
مـهلا هداك الـذي أعطـاك نافـلة القـرآن فـيها مواعـيظ وتفـصيل
لا تأخذنـي بأقوال الوشاة ولم أذنـب ولو كـثرت عني الأقاويل
لقـد أقوم مقاما لـو أقـوم به أرى وأسـمـع ما لو يسمع الفيل
لظـل يرعد إلا أن يكـون لـه من رسول الله بإذن الله تنـويـل
حتى وضعت يـميني لا أنازعـه في كـف ذي نقمـات قيله القيل
لذاك أهيب عنـدي إذ أكـلمـه وقيـل إنـك مسـبور ومسـؤول
من ضيغم من ضراء الأسد مخدره بـبطن عـتـر غيل دونـه غيل
يغدو فيلـحم ضرغامين عيشهما لحم مـن القوم معـفور خراديل
إذا يـسـاور قرنـا لا يـحل له أن يـترك القرن إلا وهـو مغلول
مـنه تظل حمير الوحش ضامرة ولا تـمـشـي بواديـه الأراجيل
ولا يـزال بواديـه أخـو ثقـة مطـرح البـز والـدرسان مأكول
إن الـرسول لنور يستضـاء به مهند من سيـوف الهـند مسلول
في عصبـة من قريش قال قائلهم ببطـن مـكة لما أسلمـوا زولوا
زالـوا فما زال أنكـاس ولا كشف عند الـلقاء ولا مـيل معـازيـل
شم العرانيـن أبطال لـبوسـهـم من نسج داود في الهـيجا سرابيل
بيض سوابـغ قد شكـت لها حلق كأنـها حلق القـفعـاء مـجـدول
لا يفـرحون إذا نـالت رمـاحهم قـوما وليسوا مـجازيـعا إذا نيلوا
يمشون مشي الجمال الزهـر يعص مهم ضرب إذا عرد السود التنابيـل
لا يقع الطعن إلا فـي نحـورهـم إن لـهم عن حياض الموت تهليل
لمحة عن حياة الشاعر:
هو كعب بن زهير بن أبي سلمى من أهل نجد؛ وأمه كبشة بنت عمار بن عدي "ولد في
غطفان قبيلة أمه" عني أبوه بتربيته ؛ فنهاه عن قول الشعر بادئا ذي بدء
مخافة أن لم يكن متمكنا فيه بعد؛ وروي أنه انطلق _كعب_ يرعى الغنم فبدأ
يرتجز قائلا :
كأنما أحدو ببهمي عيرا من القرى موقرة شعيرا
فخرج إليه أبوه يتتبعه ليعلم ما عنده من شعر فقال زهير:
إني لتعديني على الحي حسرة تخب بوصالها صروم وتعنق
ثم أمر كعبا بالرد على هذا البيت فقال:
كبنيانة القرئي موضع رحلها وآثار نسعيها من الدف أبلق
ومضى زهير مع ابنه هكذا حتى أكد من شاعريته فأذن له بالخوض فيه فقال كعب:
أبيت فلا أهجو الصديق ومن يبع بعرض أبيه في المعاشر ينفق.
ومن الحوادث التي تثبت شاعريته وهو غلام ؛ قصته مع النابغة الدبياني عندما قال كعب:
تزيد الأرض أمامت وخفا وتحي إن حييت بها ثقيل
نزلت بمستقر العرض منها ....................
فعجز النابغة عن إتمام البيت فأتمه كعب قائلا:
...................... وتمنع جانبيها أن يزولا.
وقد أجمع النقاد على أن كعبا بن زهير من فحول الشعراء ووضعه ابن سلام الجمحي في الطبقة الثانية.
أسلم كعب سنة تسع للهجرة وتوفي في خلافة معاوية.
مناسبة القصيدة:
كتب كعب بن زهير إلى أخيه بجيرة أبياتا حين علم بإسلامه قائلا فيها:
ألا بـلغـا بـجيرا رسـالـة فـهل لك فيما قلت هل لـك
سـقاك أبو بكر بكأس رويـة وانهـلك المأمون من وعلكا
وفارقت أسباب الهوى واتبعته على أي شيء ريب غيرك ذلك
على مذهب لم تلف أما ولا أبا عليه ولم تعرف عليه أخا لك.
وحين سمع الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأبيات أهدر دمه " فكتب إليه
بجيرة أخوه يخبره أن النبي قتل رجالا بمكة من كان يهجوه ويؤذوه ؛ وأشار
عليه بأن يقبل على النبي صلى الله عليه وسلم تائبا." ثم كتب إليه بهذه
الأبيات:
من مبلغا كعبا فهل لـك في التـي تلوم عليها باطلا وهي أحزم
إلى الله لا العزى ولا اللات وحده فتنـجو إذا كان النجاة وأسلم
لدى يوم لا تنجو وليس بملفـت من النار إلا طاهر القلب مسلم.
فقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال قصيدته هذه "فأشار النبي صلى الله
عليه وسلم أن اسمعوا شعر كعب إعجابا به ولذلك عفا عنه وكساه بردته..."
في ثنايا القصيدة:
1_دراسة سيميائية للقصيدة:
ا-سميائية العنوان: سميت القصيدة بالبردة نسبة إلى ثوب كان يرتديه النبي
صلى الله عليه وسلم فكساه لكعب بن زهير عقب انتهائه من أنشاد قصيدته في مدح
الرسول صلى الله عليه وسلم _بانت سعاد_ فكان للبردة شأن كبير في حياة كعب
بن زهير لأنها حولت حياته من إنسان كافر مطاردا مباح دمه ؛ إلى إنسان مسلم
مؤمن آمن مكرم ؛ فحملت معها معنى الوصف والأمن والأمان بعد خوف وشدة وإهدار
دم.
ب_سيميائية الأسماء: استهل الشاعر القصيدة بذكر اسم سعاد " واغلب الظن أن
سعاد ليست شخصية حقيقية ؛ فقد سمى الشاعر الجاهلي محبوبته رمزا لغويا واسما
فنيا وعنوانا موضوعيا ..."
فقد يكون كعب بن زهير قد استعمل هذا الاسم رمزا ؛ وتعمد وضعه في مطلع القصيدة تيمنا به ؛ فسعاد اسم مشتق من السعد والسعادة والإسعاد.
أما الإسم الثاني فجاء رمزا كذلك يقصد به أباه زهير بن أبي سلمى ؛ فقد ضمن
كعب اسم أبيه قبيل الأبيات التي جاءت فيها الحكمة؛ وقبل مدحه للنبي صلى
الله عليه وسلم؛ وكأنما كان يومئ إلينا أن أباه كان حكيما ؛ فأخذ الحكمة
منه ؛ ويذكر بمناقب أبيه في الجاهلية وكيف كان له الفضل في الإصلاح بين
القبيلتين.
ج_سيميائية الشخصيات: أور كعب بن زهير الشخصيات في لاميته على الترتيب
التالي: سعاد ؛ الناقة ؛ الوشاة؛ النبي صلى الله عليه وسلم ؛ المهاجرون.
1 سعاد: شخصية متقلبة من صفاتها الجمال ؛ اعتدال الطول ؛ اخلاف الوعد والهجران....
2 الناقة: حملت سعاد إلى أرض بعيدة ؛ كانت رفيقته ومؤنسته في رحلته الطويلة
؛ فكان من صفاتها : القوة ؛الغلظة ؛ الطول والقدرة على التحمل......
3 الوشاة: أغلب الظن أن يكون قد قصد بذلك أخاه بجيرة ؛ لأنه كان قد أنذره
بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ قتل كل من كان قد أوعده بالقتل وأباح دمه
من المشركين ؛ فقال له بأنه مقتول لا محالة.
4 الشاعر: شخصية متزنة وفي لوعوده على عكس محبوبته سعاد؛ لا يسمع كلام
الوشاة ؛ مؤمن بالقضاء والقدر ؛مؤمن بالموت ؛ يأمل العفو من الرسول صلى
الله عليه وسلم.
5 الرسول صلى الله عليه وسلم: من صفاته القوة فقد اقتص من كل من كان قد
أوعده ؛ ولكنه ورغم ذلك متسامح مع كل من اعتذر منه ويقبل العفو ؛ كما وصفه
بالشجاعة فهو تخافه السباع ؛ كلامه فاصل لا يرد ؛ كما أنه نور للمسلمين.
6 المهاجرون: أطاعوا الرسول صلى الله عليه وسلم حين آمنوا به وبرسالته ؛
أطاعوا أمره لهم بالهجرة إلى المدينة المنورة ؛ فلم تكن هجرتهم عن خوف أو
جبن منهم وإنما تنفيذا لأمره صلى الله عليه وسلم ؛ فهم أبطال المعارك شجعان
؛ لا يفرون من العدو في الغزوات ولا يجزعون إذا هزموا.
د_سيميائية الزمان اشتملت القصيدة على أحداث مختلفة حدثت في أزمنة ثلاث رئيسية:
1 الزمن الأول: شمل فترة ما قبل رحيل سعاد ؛ حيث "كان الشاعر يعيش في أمن و أمان و استقرار" ؛ وهو يشير إلى فترة ما قبل إهدار دمه.
2 الزمن الثاني: شمل فترة هجرة سعاد ؛ وهنا تبدأ معاناة الشاعر و آلامه
النفسية التي عانى منها؛ وشده الرحال على آثار سعاد ؛ وهو يشير إلى الفترة
التي عاشها منذ إهدار دمه حتى قدومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم تائبا
معتذرا.
3 الزمن الثالث: هي الفترة التي ألقى فيها القصيدة وفيها تحدث بصريح العبارة عن أمله في عفو النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
ه _سيميائية المكان: توزعت الأحداث على أماكن متفرقة ؛ وفي كل مكان منها إيحاءاته ودلالاته التي تدل عليه:
1 المكان الأول: هو مكان إقامة الشاعر ؛ وهو يشير إلى الاستقرار و الأمن والطمأنينة ؛ حيث كانت سعاد قريبة منه.
2 المكان الثاني: هو الطريق الذي سلكته سعاد في ابتعادها عن الشاعر وهجرها الديار؛ حيث عانى من القلق والاضطراب والخوف والحزن.
3 المكان الثالث: هو المكان الذي وقف فيه ليلقي قصيدته ؛ "وهو بالمسجد
النبوي في المدينة المنورة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم."
2_دراسة أسلوبية للقصيدة:
إذا كان الغرض الأساسي من القصيدة هو مدح الرسول صلى الله عليه وسلم
والاعتذار منه ؛ فإن صاحب القصيدة بدأها بالغزل ثم انتقل إلى وصف ناقته _
كما تعود الشعراء الجاهليون أن يفعلوا في قصائدهم _ ثم انتقل إلى الاعتذار
الذي من أجله نظم القصيدة.
وقد استغرق في المقدمة الغزلية ثلاثة عشر بيتا بدأها من:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يجز مكبول
واستمر فيها إلى غاية:
فلا يغرنك ما منت وما وعدت إن الأماني والأحلام تضليل.
فيما استغرق في الوصف ثمانية عشر بيتا من:
أمست سعاد بأرض لا يبلغها إلا العتاق النجيات المراسيل
إلى قوله:
تفري اللبان بكفيها ومدرعها مشقق عن تراقيها رعابيل.
أما الاعتذار والمدح فقد خص لهما أربع وعشرون بيتا ؛ سبعة منها للاعتذار والبقية في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم والمهاجرين.
يعد النهج الذي سلكه كعب بن زهير في قصيدته ؛ نهجا تقليديا في بناء القصيدة العربية في النقد القديم ؛ فاستهلها بالشكوى والغزل فقال:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يجز مكبول
فقد ألم في هذه المقدمة ب" ذكر فراقه لسعاد وارتحالها؛ ومرارة الألم ؛
واقتصر فيه على الناحية الإخبارية السردية." ثم انتقل إلى وصف محاسنها ؛
فشبهها بالغزال المكحول العينين والمنكسر الصوت ؛ أما في البيت الثالث فقد
وصفها من الناحية الجسدية وهنا اختلف في صحة هذا البيت ؛ فهناك من قال أنه
منسوب إليه " فلم يرد هذا البيت في الديوان وقد أثبته القرشي في الجمهرة."
ثم انتقل إلى وصف أسنانها وبريق ابتسامتها وفمها.
ثم بدأ يشكو من سوء ظنه بها وخداعها وإخلافها لمواعيدها شأنها شأن عرقوب
الذي ضرب به المثل في إخلاف المواعيد ؛ ومع ذلك بقي متمسكا بها وآملا أن
توفي بوعدها يوما ما.
ثم ذكر هجرها وبعدها عنه وأنها أصبحت بمكان لا يصل إليه إلا الإبل السريعة؛
واسترسل يصف الناقة بأنها صلبة قوية لا تعرف التعب والنصب...
ويظهر التأثر الحسي بالبيئة في هذين الموضعين : الأول في الغزل حيث شبه
محبوبته سعاد بالظبي في سواد عينيها ورقة صوتها ... وتظهر المؤثرات البيئية
بصورة أفضل في وصف الناقة التي تعلق بها كل العرب قديما ؛ وذلك أنها لعبت
دورا مهما في حياتهم المضطربة لكثرة أسفار والتنقل والترحال ؛ فكانت ناقته
وسيلته الوحيدة لربط وصاله بسعاد ؛ فناقته غليظة الرقبة ممتلئة تتميز عن
باقي النوق في عظم خلقها ؛ فخرج بذلك كعب عن عادات العرب في وصف الناقة
بالنحالة حتى تكون قادرة على السير السريع ف"هذا خطأ في الصفة لأنه قال هي
غليظة الرقبة ؛ وخير النجيات ما يدق مذبحه ويعرض منحره..." وقد أمعن في وصف
ناقته بدقة متناهية ؛ يجعل من المتلقي يرسمها في خياله...
ثم ذكر أقوال الوشاة وانذارهم له بأنه سيموت لا محالة؛ فهم عرفوا قدرة
الرسول صلى الله عليه وسلم على قتل كل من أهدر دمه فتخلوا عنه نجاة بأنفسهم
فقال:
يسعى الوشاة بجنبيها وقولهم إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول
وقال كل خليل كنت آمله لا ألفينك إي عنك مشغول.
فعبر عن أسفه عمن خيب أمله وتركه من الخلان وأنه مؤمن بقضاء الله في قوله:
فقلت خلوا سبيلي لا أبا لكم فكل ما قدر الرحمن مفعول.
ثم انتقل إلى غرضه من القصيدة وهو الاعتذار من الرسول صلى الله عليه وسلم راجيا منه العفو والرضا والرفق بحاله فقال:
أنبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول.
يقول البغدادي " هذا هو الغرض المقصود من هذه القصيدة وسائرها مقصود لهذا البيت وهو التماس العفو.."
ثم عبر عن خوفه وخشيته من الوقوف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن
هول الموقف الذي هو فيه فحتى الفيلة تضطرب لمثله ؛ وقد أتى بصورة الفيل
لأنه أضخم حيوان عرفته العرب حينما جاء به أبرهة لهدم الكعبة ؛ فبهر العرب
بذلك الحيوان الذي لم يرو بمثله من قبل قط .
ثم انتقل إلى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم فشبهه بالسيف المهند وهو أجود
أنواع السيوف عند العرب والبيت الأصلي الذي أتى به الشاعر هنا هو:
إن الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الهند مسلول
فأشار عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول من سيوف الله فكان أن أخذ بها الشاعر.
ثم اختتم القصيدة بمدح المهاجرين فقال له صلى الله عليه وسلم : "لو ذكرت الأنصار بخير فإن الأنصار لذلك أهل..." فقال كعب
من سره كرم الحياة فلم يزل في مقنب من صالح الأنصار
تزن الجبال رزانة أحلامهم وأكفهم خلف من الأمطار. ....
يتضح في أسلوب كعب بن زهير تأثره بمدرسة أبيه زهير بن أبي سلمى في الإصابة
في الاختيار والجودة والقدرة على التلاعب بالأفكار ؛ فكما اشتهر زهير في
الجاهلية بالحكمة
وتضمينها في ثنايا القصائد ؛ ها هو ذا كعب ينهج نهج أبيه ويرث تلك الميزة عنه حيث أظهر حكما في بردته :
فقلت خلي طريقي لا أبا لكم فكل ما قدر الرحمن مفعول
وقوله أيضا:
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوما على آلة حدباء محمول
حيث صور لنا معنى حتمية الموت وأنه لا بد لكل إنسان أجل هو لاحقه ؛ وقبر سائر إليه ليحويه ؛ مهما طال عمره وصحته وسلامته.
كما أننا لو أمعنا النظر في بعض الأبيات ؛ فإننا نحس بنفحة إسلامي في قوله مثلا :
................... فكل ما قدر الرحمن مفعول
وكأنما تشرب ذلك من قوله تعالى:"قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَهُ لَنَا." وفي قوله:
إن الرسول لنور يستضاء به ......................
من قوله تعالى: "يَوْمَ يَجْزِي اللَهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ.."
كما نجد آثار إسلامية في معاني القصيدة ؛ فقد تمثل بدروع داود عليه السلام الذي كان ماهرا وأول من صنع الدرع للحرب فقال :
...................... من نسج داود في الهيجا سرابيل
أما الألفاظ التي استعملها فقد كانت في مجملها ألفاظ غريبة عن عصرنا ؛ أقرب منها للجاهلية عن الإسلام فمثلا في قوله
قنواء في حرتيها للبصير بها عتق متين وفي الخدين تسهيل
"فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع هذا البيت قال
لأصحابه: من منطق تعليمي ما حرتاها؟ فقال بعضهم العينان وسكت البعض فقال
الرسول صلى الله عليه وسلم :هما أذناها نسبهما إلى الكرم."
وقد أورد في القصيدة الكثير من الألفاظ الدالة على الحركة منها: بانت ؛
رحلوا؛ مدبرة ؛ مقبلة ؛ تمشي ؛ قامت ؛ يسعى؛ أقوم ؛ زولوا ...كلها أفعال
توحي إلى الاضطراب والقلق وعدم ثبات نفسية الشاعر.
وحشد من الأوصاف والنعوت التي عبر بها عن أشياء محسوسة وأخرى معنوية ؛ ومن
ذلك وصف حالة قلبه الذي" غدا اليوم مضني لفراق سعاد ورحيلها ؛ ذليل حبها
محتبسا عندها من غير ما تنويل." فدل على ذلك ب: قلبي ؛ متبول ؛ متيم ؛ لم
يجز مكبول ..وهي صفات مفردة عائدة على مفرد هو القلب
أما البيت الثاني فكانت الصفة فيه جملة عائدة على موصوف مفرد هو سعاد فوصفا
ب"إلا أغن غضيض الطرف مكحول ؛ كما أتت القوافي في معظمها نعوتا وما إليها
وقد تأدى ذلك من وقوف الشاعر وصفيا."
فسعى كعب إلى اختيار الموسيقى الداخلية أو الإيقاع الداخلي للقصيدة ؛ ليظهر
لنا شعوره الداخلي وليجسد لنا واقعه ؛ فيبدأ الإيقاع الحزين للقصيدة مع
بدايتها واستعماله للقافية اللامية الملائمة مع إيقاع الضمة والواو التي
تسبقها يكسب اللام امتدادا أطول فيظهر أسى أعمق وحزن أكبر فكانت القافية
على أوزان ثلاث هي:
مفعول :مثل مكبول ؛ مكحول ؛ معلول ؛ مشمول ؛ مقبول....
مفاعيل:مثل يعاليل ؛ غرابيل ؛ أباطيل ؛ مراسيل....
تفعيل:مثل تسهيل ؛ تحليل ؛ تنعيل ؛ تزييل....
واختياره حرف اللام رويا لم يخرج عن نطاق ما لهذا الحرف من دلالة صوتية عن
الحزن والأسى فلم يخل بيت من هذا الحرف ليرد في جميع أبيات القصيدة مكررا
ثلاثمائة واثنين
مرة بما فيها القافية التي ظهر في بعضها مكررا مرتين ومنها: معلول ؛ يعاليل ؛ تضليل شمليل ؛ تهليل......
كما أعانه تكرار الألفاظ والحروف على التعبير عن الحزن العميق الذي كان
يعتري الشاعر ؛ والمتصل بالماضي الذي تمثل في رحيل سعاد عنه ؛ والممتد إلى
الحاضر وهو وقوفه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما كان استعماله للتشبيهات كثير منها ما جاء في البيت الثاني :
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول
"فالشاعر لم يتوسل لتشبيهه هنا شكله التقليدي ؛ وإنما أوحى به من المقارنة
بين الحبيبة والغزال ؛ كما أنه غالى به وهو يحاول أن يضفي عليه بعض الجدة
بتخصيصه في الغنة وغضاضة الطرف واكتحال العينين."
كما شبه الرسول صلى الله عليه وسلم بالسيف المهند وهو تشبيه بليغ حيث حذفت الأداة وصرح بالمشبه والمشبه به.
وقد تدفقت التشبيهات في القصيدة فمثلت عمود بناء الأفكار وروح نسجها فهو
"لا ير الأشياء ويحسها ويعبر عنها إلا عن طريق المخيلة المتدفقة التي تحول
العاطفة والفكرة إلى صورة تزاحم التعبير العاطفي بصورة حسية."
ومن الأساليب الإنشائية التي اعتمدها في القصيدة:
1التمني: في قوله:
ياويحها خلة لو أنها صدقت ما وعدت أو لو أن النصح مقبول
وكذلك في قوله:
أرجو وآمل أن يعجلن في أبد ومـا لهن طوال الدهـر تعجيـل
وهنا استعمل التمني بفعله المباشر أرجو آمل .
2 الحصر والاستثناء: في إذ رحلوا ؛ إلا أغن ؛ إلا تمسك ؛ إلا الأباطيل ؛ إلا العتاق ؛ إلا العذافرة.
3 الشرط: إذا توقدت ؛ إلا أن يكون له ؛ إذا نيلوا ؛ إذا عرد
4التوكيد: إن الأماني ؛ إنك مسبور ؛ إني عنك مشغول ؛ إنك يا ابن أبي سلمى؛ إن الرسول
5النفي والجزم: لم يجز ؛ لم أذنب ؛ لا يشتكى ؛ ما تدوم ؛ ما تمسك ؛ لا يغرنك ؛ لا يبلغها
؛ لن يبلغها ؛ لا أنازعه ؛ لا يحل له ؛ لا يفرحون ؛ ليسوا مجازيع.
أما المحسنات البديعية فقد تنوعت مابين :
الطباق في مجازيع / لا يفرحون ، قصر/طول ، أرى / أسمع ، أوعدني/ عفو
الجناس في متبول/ مكبول ، أخوها/أبوها
المقابلة في هيفاء مقبلة / عجزاء مدبرة
كما نرى عنده ما اعتاد عليه العرب في أساليبهم من عدم السير على وتيرة
واحدة في الكلام ؛ حتى لا يمل السامع وينصرف عن الاستماع فوظف ما اصطلح
عليه بالالتفات وهو الانتقال من الحديث عن المتكلم إلى المخاطب أو الغائب
والعكس مثل: إن رسول الله أوعدني حيث التفت من الغائب _رسول الله _ إلى
المتكلم _أوعدني.
هداك الذي أعطاك التفت من المخاطب إلى الغائب
كما قد يكون الالتفات بين بيتين أو أكثر مثل: أنبئت أن رسول الله أوعدني/
مهلا هداك الذي أعطاك التفات من المتكلم إلى الغائب إلى المتكلم إلى
المخاطب إلى الغائب إلى المخاطب.
جاءت القصيدة على وزن من أكثر الأوزان استعمالا لدى الشعراء الجاهليين وهو بحر البسيط وتفعيلاته:مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن×2
بانت سعاد فقلبي اليوم مبتول متيم إثرها لم يجز مكبول
/0/0//0///0/0/0//0/0/0 //0//0//0/0/0//0/0/0
مستفعلن فعلن مستفعلن فاعل متفعلن فاعلن مستفعلن فاعل.
وقد تأثر الشاعر بصورة مباشرة بعدد من الشعراء الجاهلين ومنهم النابغة الذي يقول:
بانت سعاد وأمسى حبلها انجذما واحتلت الشرع فلاأجزاع من إضما
ويقول الأعشى:
بانت سعاد وأمسى حبـلها رابا وأحدث النأي لي شوقا وأوصـابا
ولطفيل قصيدة لامية يصف فيها محبوبته يقول فيها:
هل حبل شماء قبيل البين موصول أم ليس للصرم عن شماء معدول
إذ هي أحوى من الربعي حاجبه والـعين بالإثـمد الحادي مكحول إن تمس قد سمعت قيل الوشاة بنا وكـل ما نطـق الواشون تضليل
فـما تجود بـموعود فتـنجـزه أم لا فيـأس وإعراض وتجمـيل.
خـاتـمـة:
هنا نحط الرحال معلنين عن نهاية رحلة هذا البحث ؛ ولكن من دون أن نغلق بابه
؛ هذا البحث الذي كان مدخله وفصوله الثلاثة تخص الحديث عن الشعر الجاهلي
وصدر الإسلام ؛ عن شعراء عاشوا في الحياة وغابوا عنها ؛ فسجلتهم ذاكرة
التاريخ وخلدهم شعرهم ؛ هؤلاء الشعراء عاشوا عصرين مختلفين اختلاف الليل
والنهار؛ والحديث عن هذين العصرين هو حديث عن قرابة قرنين من الزمن ؛
والإبحار فيهما قادنا إلى شاطئ النتائج التالية:
1_ الشعر الجاهلي وجد من العوامل البيئية والبشرية التي تلاحمت فيما بينها
لتكون الأرضية الخصبة التي ولد وتطور فيها هذا الجنس الأدبي.
2_ بلغ الشعر في الجاهلية مراتب عليا عند العرب ؛ وخص الشعراء بمكانة مرموقة وسط القبائل العربية فكان لكل منها شاعرها الخاص.
3_ خصصت للشعر أسواق شعرية سنوية ؛ كانت تقام في كل أنحاء الجزيرة العربية ؛
حيث كان يتنافس ويتناقد فيها الشعراء وكان أهمها سوق عكاظ.
4_ التزم الشعراء عمود الشعر في بناء قصائدهم ؛ فكان على الشاعر التقيد
بمراحل يجب عليه المرور بها في قصيدته تبدأ بالمقدمة –على اختلاف نوعها
غزلية أو طللية- ثم غرض القصيدة وينتهي بخاتمة.
5_ بمجيء الإسلام تراجعت مكانة الشعر ؛ وذلك مع بداية الدعوة الإسلامية
بسبب اشتغال الشعراء عن الشعر وتفرغهم إلى القرآن الكريم الذي بهرهم بيانا
وبلاغة.
6_ كان موقف القرآن الكريم ؛ والرسول صلى الله عليه وسلم ؛ والصحابة رضي
الله عنهم موقفا مؤيدا لرسالة الشعراء المسلمين ؛ الذين مثلوا رمح الكلمة
في ذلك العصر فشجعه الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر به ؛ كما كان أغلب
الصحابة شعراء دافعوا عن الإسلام بشعرهم.
7_ كان أثر الإسلام واضحا على الشعر؛ حيث بلور أسلوبا جديدا فيه تمثل في
اقتباس الشعراء من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ؛ مما ولّد لغة
شعرية سهلة ؛ وأسلوب قرآني بلغة شعرية .
8_ غابت بعض الأغراض عن الساحة الشعرية كالهجاء المقذع والغزل الفاحش لأن
الإسلام حرمها وفي المقابل ظهرت أغراض جديدة في الساحة كالزهد والورع
والفتوح وكانت من اهتمامات الشعراء الأولى ؛ لأن مقتضيات ذلك العصر أوجدتها
وألزمتها.
9_ كانت السمة الغالبة على شعر المخضرمين القصر ؛ مما أوجب التخلي عن
المقدمات وعن الانتقال من غرض إلى غرض داخل القصيدة الواحدة ؛ فتغير بذلك
شكل القصيدة وصارت القصائد الإسلامية تتميز بالوحدة الموضوعية .
10_ قصيدة البردة لكعب بن زهير اندرجت ضمن إطار القوالب العامة لقصائد
الشعر الجاهلي ؛ حيث حملت من شكله وأغراضه وألفاظه ما جعلها تتصف به ؛ فمن
شكله كان فيها المقدمة والغرض والخاتمة ؛ ومن أغراضه حضر الغزل والوصف
والعتاب والاعتذار والمدح ؛ ومن ألفاظه وجدنا الفخامة وبعض الغرابة .
11_كان لقصيدة البردة أهمية كبيرة في الآداب العالمية فصالت وجالت بلدان
العالم واكتست من كل بلد لغة شعبه فترجمت للغات عدة من لغات العالم.
وهنا ترسو بنا سفينة أبحرت بنا في بحر العلم الحقيقي ، تقف بنا هنا لنختم
بحثنا ، وقفة لا يختتم العلم بها ؛ بل لننهي ما استطعنا نهله من جوف الكتب
التي لا قاع لها .
فالحديث عن كـل مجالات الشعر الإسلامي لا يحده حد، و لا تسعه مصنفات، و لا
يكفيه مداد البحر ولو جئنا بمثله مددا ، بل هي في حاجة إلى أن يتفرغ لها
الباحثون.
ولكن ضخامة الجهد المطلوب و سعة الميادين المفتوحة للدراسة والبحث ؛ لا
تمنعـنا أن ندلي بجهدنا المتواضع الذي أردنا فيه أن نشابه أهله وإن لم
نشابه أدناهم .لا نبغي به أكثر من أن يكون مجرد إشارات لعلها تحفز أهل
الدراية والمراس، إلى أن يبحثوا و يخرجوا عن إطار التقليد الذي جمد
الدراسات فجمدت بدورها البحوث والعقول الناشئة ، فما أصبحت دراساتنا إلا
اجترارا و ترجيعا .
وعسى الله أن يجعل في عجز القصور قبولا ، و في قصور العجز منالا.
فإن أصبنا فمن الله و إن أخطأنا فمن أنفسنا .
فهرس المصـادر والمـراجع
قائمة المصادر والمراجع:
القرآن الكريم برواية ورش عن نافع.
1/ أحمد الأمين الشنقيطي ؛المعلقات العشر وأخبار قائليها؛ مكتبة الخانجي القاهرة ؛ ط3؛1993.
2/ أحمد شاكر ؛عمدة التفاسير عن الحافظ بن كثير؛ دار الوفاء للنشر مصر ؛ ط2؛ 2005.
3/ أحمد شاكر غضيب؛ أثر الإسلام في بناء القصيدة العربية؛ دار الضياء للنشر والتوزيع الأردن؛ ط1؛2003.
4/ أحمد الشايب ؛ تاريخ النقائض؛ مكتبة النهضة العربية ؛ ط2؛1962.
5/ أحمد محمد الإسكندري ؛ المفصل في تاريخ الأدب العربي؛ مكتبة الآداب القاهرة.
6/ أحمد الهاشمي ؛ جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب؛ منشورات دار المعارف ؛ط2.
7/ أدونيس ؛ديوان الشعر العربي ؛ منشورات المكتبة العصرية بيروت؛ ط1 1964؛ج1.
8/ أدونيس ؛ الشعرية العربية؛ دار الآداب بيروت؛ ط3 2003.
9/ الأصمعي ؛ فحول الشعراء ؛ دار الكتاب العربي ؛ لبنان ؛ 1971.
10/ إقبال بركة ؛ الحب في صدر الإسلام ؛ دار قباء للطباعة والنشر ؛ القاهرة ؛ 1998.
11/ الألوسي ؛ بلوغ الأرب ؛ تح محمد الفاضل ؛ دار الإمام مالك الجزائر ؛ ط4 2003 ؛ج7.
12/ إيليا الحاوي في النقد والأدب مقطوعات من العصر الإسلامي والأموي ؛ دار الكتاب اللبناني ؛ ط5 1986.
13/ إيميل ناصيف ؛ أروع ما قال الشعراء العرب الحكماء ؛ دار الجيل بيروت .
14/ البخاري ؛ صحيح البخاري ؛ شركة الشهاب الجزائر ؛ ط7 1991 ؛ج6.
15/ بطرس البستاني ؛ أدباء العرب في الجاهلية والإسلام ؛ دار مارون عبود لبنان ؛ 1986 ج1.
16/ الجاحظ ؛ البيان والتبيين ؛ تح محمد عطا الله ؛ مطبعة الخانجي القاهرة.
17/ الجاحظ ؛ الحيوان ؛ تح عبد السلام هارون ؛ دار الجيل بيروت ؛ 1992؛ج1.
18/ عبد الجليل الأحمدي ؛ شرح قصيدة بانت سعاد ؛ دار المعارف مصر ؛ 1982.
19/ جمال الدين بن الشيخ ؛ الشعرية العربية ؛ ترجمة محمد الوالي وآخرون ؛ دار توبقال المغرب ؛ ط1.
20/ حنا الفاخوري ؛ تاريخ الأدب العربي ؛ مطبعة الرسالة القاهرة .
21/ خالد يوسف ؛ في النقد الأدبي وتاريخه عند العرب ؛ المؤسسة الجامعية ؛ ط1 1987.
22/ ابن خليفة عليوي ؛جامع النقول في أسباب النزول ؛ مطابع الإشعاع ؛ ط1 1404ﻫ ج2.
23/ عبد الرحمن بن خلدون ؛ المقدمة ؛ دار الشعب مصر.
24/ عبد الرحمن خليل إبراهيم ؛ دور الشعر في معركة الدعوة الإسلامية أيام
الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر ؛
1971.
25/ عبد الرحمن السعدي ؛ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ؛ تقديم الشيخ العثيمين ؛ مكتبة الصفا.
26/ ابن رشيق القيرواني ؛ العمدة في محاسن الشعر ؛ تح عبد الواحد شعلان ؛ مكتبة الخانجي القاهرة ؛ 2000 ؛ ج1.
27/ ابن رشيق القيرواني ؛ العمدة في محاسن الشعر ؛ تح عبد القاهرة عطا ؛ دار الكتب العلمية لبنان ؛ ط1 2001؛ ج2.
28/ زبير دراقي ؛ المستقصي في الأدب الإسلامي ؛ ديوان المطبوعات الجامعية ؛ الجزائر 1995.
29/ أبو زيد القرشي ؛ جمهرة أشعار العرب ؛ الطباعة الشعبية للجيش الجزائر ؛ 2007.
30/ أبو زيد القرشي ؛ جمهرة أشعار العرب ؛ تح علي البجاوي ؛ دار النهضة مصر.
31/ سعد بوفلاقة ؛ شعر الصحابة دراسة موضوعية الفنية ؛ منشورات بونة للأبحاث الجزائر ؛ ط1 2007.
32/ ابن سلام الجمحي ؛ طبقات فحول الشعراء ؛ طبع دار المعارف.
34/ السيوطي ؛ المزهر في علوم اللغة ؛ تح محمد جاد ؛ المكتبة العصرية بيروت ؛ 1986.
35/ شكري فيصل ؛ تطور الغزل بين الجاهلية والإسلام ؛ دار العلم للملايين بيروت؛ ط5.
36/ شوقي ضيف ؛ تاريخ الأدب العربي العصر الإسلامي ؛ دار المعارف القاهرة ؛ط6.
37/ شوقي ضيف ؛ التطور والتجديد في الشعر الأموي ؛ دار المعارف مصر.
38/ الطبري ؛ تفسير الطبري ؛ مطبعة البولاق ؛ 1325ﻫ ؛ ج19.
39/ الطبري؛ جامع البيان في تفسير القرآن ؛ مطبعة البولاق ؛ 1963 ؛ ج23.
40/ عبده بدوي ؛ دراسات في النص الشعري ؛ دار قباء للطباعة والنشر القاهرة ؛ 2000.
41/ عثمان الخميس ؛ كنوز السيرة ؛ غراس للنشر والتوزيع الكويت ؛ ط2 2007.
42/ عبد العزيز معتوق ؛ تاريخ النقد الأدبي عند العرب ؛ دار النهضة العربية بيروت ؛ ط4 1977.
43/ عبد العزيز عبد المنعم خفاجي ؛ التفسير الإعلامي للأدب العربي ؛ دار الجيل بيروت ؛ ط1 1991.
44/ علي بن محمد ؛ الشواهد النقدية من العصر الجاهلي إلى عصر التأليف ؛ ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ؛ ط2 1993.
45/ فؤاد أفرام البستاني ؛ الشعر الجاهلي نشأته فنونه ؛ المطبعة الكاثوليكية بيروت ؛ 1937.
46/ عبد الفتاح النشاطي ؛ شعراء إمارة الحيرة في الجاهلية ؛ دار قباء للنشر والتوزيع القاهرة ؛ ط2 1999.
47/ ابن قتيبة ؛ الشعر والشعراء ؛ وزارة الثقافة الجزائر ؛ 2007 ؛ ج1.
48/ قدامة بن جعفر ؛ نقد الشعر ؛ تح عبد المنعم خفاجي ؛ دار الكتب العلمية لبنان.
49/ ابن كثير ؛ البداية والنهاية ؛ دار الإمام مالك الجزائر ؛ ط1 2006 ؛ ج
50/ أبو عبد الله الزوزني ؛ شرح المعلقات العشر ؛ نشر الدار العلمية بيروت ؛ 1993.
51/ محمد إبراهيم جمعة ؛ نوابع الفكر حسان بن ثابت ؛ دار المعارف مصر .
52/ محمد بن رياض الأثري ؛ ومضات نيرات في حياة الصحابة والصحابيات ؛ عالم الكتب بيروت ؛ ط1 2003.
53/ محمد عزام ؛ قضية الالتزام في الشعر العربي ؛ دمشق ؛ ط1 1989.
54/ محمد علي حسن ؛ من العصر الجاهلي إلى العصر العباسي ؛ دار النهضة بيروت ؛ 1980.
55/ محمد علي أبو حمدة ؛ في التذوق الجمالي لبانت سعاد ؛ مكتبة الأقصى عمان ؛ ط1 1989.
56/ محمد علي الصباح ؛ كعب بن زهير حياته وشعره ؛ دار الكتب العلمية لبنان ؛ 1990.
57/ محمد علي الصابوني ؛ صفوة التفاسير عن الحافظ بن كثير ؛ دار القرآن الكريم بيروت؛ ج2 .
58/ محمد عبد المنعم خفاجي و صلاح الدين عبد الصبور ؛ الحياة الأدبية في عصري الجاهلية وصدر الإسلام ؛ مطبعة الحلبي بيروت ؛ ط2 1980.
59/ محمد مرتاض ؛ مفاهيم جمالية في الشعر العربي القديم ؛ ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ؛ 1998.
60/ محمد هدارة ؛ الشعر في صدر الإسلام والعصر الأموي
61/ مي يوسف خليف ؛ النثر الفني بين صدر الإسلام والعصر الأموي ؛ دار قباء للطبع والنشر القاهرة ؛ 1987.
62/ ناصر الدين الأسد ؛ القيان والغناء في الجاهلي ؛ دار المعارف مصر ؛ ط2 1968.
63/ ناصر الدين الأسد ؛ مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية ؛ دار الجيل بيروت ؛ ط4 1969.
64/ نور الدين السد ؛ الشعرية العربية ؛ ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ؛ 2007.
65/ عبد الواحد شعلان ؛ الحياة الأدبية في عصر النبوة والخلافة ؛ دار قباء القاهرة ؛ ط2 1999.
66/ ابن هشام ؛ السيرة النبوية ؛ دار إحياء التراث القاهرة ؛ 1936 ؛ ج1 ؛ ج2 ؛ ج3 ؛ ج4.
67/ ابن هشام ؛ السيرة النبوية ؛ تح محمد قطب ؛ المكتبة العصرية لبنان ؛ 1998 ؛ ج3.
68/ هاشم صالح مناع ؛ بدايات في النقد الأدبي ؛ دار الفكر العربي بيروت ؛ ط1 1994.
69/ ياقوت الحموي ؛ معجم الأدباء ؛ دار الكتب العلمية بيروت ؛ ط1 1991 ؛ مجلد 5.
70/ يحي الجبوري ؛ الإسلام والشعر ؛ مطبعة الإرشاد بغداد ؛ 1964.
71/ يوسف خليف ؛ دراسات في الشعر العربي ؛ دارغريب للطباعة والنشر القاهرة.
الدواوين:
72/ ديوان جرير ؛ تح نعمان أمين طه ؛ دار المعارف مصر ؛ 1971.
73/ ديوان حسان بن ثابت ؛ شرح يوسف عيد ؛ دار الجيل بيروت ؛ ط1 1992.
74/ ديوان الحطيئة ؛ تح نعمان أمين طه ؛ القاهرة ؛ 1974.
75/ ديوان زهير بن أبي سلمى ؛ جمع يوسف بن عيسى ؛ مطبعة برلين ؛ 1989.
76/ ديوان طرفة بن العبد ؛ تح كرم البستاني ؛ دار صادر بيروت ؛ 1930.
77/ ديوان عبيد الأبرص ؛ تح حسين نصار ؛ مطبعة الحلبي ؛ ط1 1957.
78/ ديوان علي بن أبي طالب ؛ تقديم صلاح الدين الهواري ؛ مكتبة الهلال بيروت ؛ ط1 2003.
79/ ديوان علي بن أبي طالب ؛ جمع عبد العزيز الكرم ؛ المكتبة الثقافية .
80/ ديوان عنترة العبسي ؛ تح محمد مولوي ؛ المكتب الإسلامي ؛ ط2 1983.
81/ ديوان كعب بن زهير ؛ تح علي فاعور ؛ دار الكتب العلمية بيروت ؛ 1997.
82/ ديوان كعب بن مالك ؛ طبعة المعارف ؛ بغداد ؛ 1966.
83/ ديوان امرؤ القيس ؛ جامعة الملك سعود المملكة العربية السعودية ؛ 1957.
84/ ديوان النابغة الجعدي ؛ المكتب الإسلامي ؛ دمشق ؛ 1964.
85/ ديوان النابغة الذبياني ؛ مطبعة الهلال؛ مصر ؛
ان شاء الله يستفيد منها الجميع
>>>انتهى<<<
قصيدة البردة لكعب بن زهير:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لـم يـجز مكبـول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول
هيفاء مقـبلة عجزاء مدبـرة لا يشتكى قصر منها ولا طـول
تـجلوا عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت كأنه منهل بالراح معلول
شجت بذي شبم من ماء محينة صاف بأبطح أضحى وهو مشمول
تجلو الرياح القذى عنه وأفرطه من صـوب سـارية بيض يعاليل
يا ويـحها خلة لو أنها صدقت ما وعدت أو لو أن النصح مقبول
لكنها خلة قـد سيط من دمها فجع وولـع و إخلاف و تبديـل
فما تدوم على حال تكون بها كـما تلون في أثوابـها الغـول
وما تمسك بالوصل الذي زعمت إلا كما تـمسك الماء الغرابيـل
كانت مواعيد عـرقوب لها مثلا ومـا مواعيدهـا إلا الأباطيـل
أرجـو وآمـل أن يعجلن في أبد وما لـهن طـوال الدهر تعجيـل
فلا يغرنك ما منت وما وعـدت إن الأمانـي والأحـلام تضليـل
أمسـت سعاد بأرض لا يبلغـها إلا الـعتاق النجيات المراسيل
ولـن يبلـغـهـا إلا عذافـرة فيها على الأين إرقال وتبعيـل
من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت عرضتها طامس الأعلام مـجهول
ترمي الغيوب بعيني مـفرد لـهق إذا توقـدت الـحزان والمـيل
ضخم مقلـدها فعم مقليدها في خلقها عن بنات الفـحل تفضيل
غـلباء وجناء عـلكوم مذكرة فـي دفهـا سعة قدامـها ميل
وجلدهـا من أطـوم ما يؤيسه طلـح بضاحية المتنـين مهزول
حرف أخوهـا أبوها من مهـجنة وعـمـها خالـها قـوداء شـمليل
يـمشي القراد علـيها ثم يزلـقه مـنـها لبان و أقـراب زهـاليـل
عـيرانة قذفت في اللحم عن عرض مـرفقـها عن بنات الزور مفتـول
كأن ما فات عينـيها ومذبـحهـا مـن خطمها ومن اللحيـين برطيل
تمر بـمثل عسيب النحل ذا خصل فـي غارز لم تـخونه الأحاليـل
قنواء في حرتـيها للبصـير بـها عتق مبـين وفي الخدين تسهيـل
تخـدي عـلى يسرات وهي لاحقة ذوابـل وقـعـهن الأرض تـحليل
سمر العجيات يتركن الحصى زيما لـم يقـهن رؤوس الأكم تنـعيـل
يـوما يظل به الـحرباء مصطخما كـأن ضـاحيـه بالـنار مـملول
يومـا يظل حـداب الأرض يرفعها مـن اللوامـع تـخليـط وتـزييل
كـأن أوب ذراعيها وقـد عرقـت وقـد تلفـع بالقـور العسـاقيـل
وقال للقوم حـاديهم وقـد جعلـت ورق الجنادب يركضن الحصى قيلو شـد النـهـار ذراعا عيطل نصف قامـت فجـاوبـها نكـد مثاكيـل
نواحة رخـوة الـضبعين ليـس لها لـما نعـى بكرها النـاعون معقول
تـفري اللـبان بكفيها ومدرعـها مشـقق عـن تراقـيـها رعابـيل
يسعـى الوشـاة بجنبيها وقولـهم إنـك يا ابـن أبي سلـمـى لمقتول
وقـال كـل خليـل كنـت آمـلـه لا ألـفيـنك إنـي عنـك مشغـول
فقـلت خلي طريـقي لا أبا لكـم فـكل مـا قـدر الرحمـن مـفعول
كل ابن أنثـى وإن طالت سلامته يـوما عـلى آلة حـدبـاء محمـول
أنـبئت أن رسـول الله أوعـدني والـعفو عنـد رسول الله مـأمـول
مـهلا هداك الـذي أعطـاك نافـلة القـرآن فـيها مواعـيظ وتفـصيل
لا تأخذنـي بأقوال الوشاة ولم أذنـب ولو كـثرت عني الأقاويل
لقـد أقوم مقاما لـو أقـوم به أرى وأسـمـع ما لو يسمع الفيل
لظـل يرعد إلا أن يكـون لـه من رسول الله بإذن الله تنـويـل
حتى وضعت يـميني لا أنازعـه في كـف ذي نقمـات قيله القيل
لذاك أهيب عنـدي إذ أكـلمـه وقيـل إنـك مسـبور ومسـؤول
من ضيغم من ضراء الأسد مخدره بـبطن عـتـر غيل دونـه غيل
يغدو فيلـحم ضرغامين عيشهما لحم مـن القوم معـفور خراديل
إذا يـسـاور قرنـا لا يـحل له أن يـترك القرن إلا وهـو مغلول
مـنه تظل حمير الوحش ضامرة ولا تـمـشـي بواديـه الأراجيل
ولا يـزال بواديـه أخـو ثقـة مطـرح البـز والـدرسان مأكول
إن الـرسول لنور يستضـاء به مهند من سيـوف الهـند مسلول
في عصبـة من قريش قال قائلهم ببطـن مـكة لما أسلمـوا زولوا
زالـوا فما زال أنكـاس ولا كشف عند الـلقاء ولا مـيل معـازيـل
شم العرانيـن أبطال لـبوسـهـم من نسج داود في الهـيجا سرابيل
بيض سوابـغ قد شكـت لها حلق كأنـها حلق القـفعـاء مـجـدول
لا يفـرحون إذا نـالت رمـاحهم قـوما وليسوا مـجازيـعا إذا نيلوا
يمشون مشي الجمال الزهـر يعص مهم ضرب إذا عرد السود التنابيـل
لا يقع الطعن إلا فـي نحـورهـم إن لـهم عن حياض الموت تهليل
لمحة عن حياة الشاعر:
هو كعب بن زهير بن أبي سلمى من أهل نجد؛ وأمه كبشة بنت عمار بن عدي "ولد في
غطفان قبيلة أمه" عني أبوه بتربيته ؛ فنهاه عن قول الشعر بادئا ذي بدء
مخافة أن لم يكن متمكنا فيه بعد؛ وروي أنه انطلق _كعب_ يرعى الغنم فبدأ
يرتجز قائلا :
كأنما أحدو ببهمي عيرا من القرى موقرة شعيرا
فخرج إليه أبوه يتتبعه ليعلم ما عنده من شعر فقال زهير:
إني لتعديني على الحي حسرة تخب بوصالها صروم وتعنق
ثم أمر كعبا بالرد على هذا البيت فقال:
كبنيانة القرئي موضع رحلها وآثار نسعيها من الدف أبلق
ومضى زهير مع ابنه هكذا حتى أكد من شاعريته فأذن له بالخوض فيه فقال كعب:
أبيت فلا أهجو الصديق ومن يبع بعرض أبيه في المعاشر ينفق.
ومن الحوادث التي تثبت شاعريته وهو غلام ؛ قصته مع النابغة الدبياني عندما قال كعب:
تزيد الأرض أمامت وخفا وتحي إن حييت بها ثقيل
نزلت بمستقر العرض منها ....................
فعجز النابغة عن إتمام البيت فأتمه كعب قائلا:
...................... وتمنع جانبيها أن يزولا.
وقد أجمع النقاد على أن كعبا بن زهير من فحول الشعراء ووضعه ابن سلام الجمحي في الطبقة الثانية.
أسلم كعب سنة تسع للهجرة وتوفي في خلافة معاوية.
مناسبة القصيدة:
كتب كعب بن زهير إلى أخيه بجيرة أبياتا حين علم بإسلامه قائلا فيها:
ألا بـلغـا بـجيرا رسـالـة فـهل لك فيما قلت هل لـك
سـقاك أبو بكر بكأس رويـة وانهـلك المأمون من وعلكا
وفارقت أسباب الهوى واتبعته على أي شيء ريب غيرك ذلك
على مذهب لم تلف أما ولا أبا عليه ولم تعرف عليه أخا لك.
وحين سمع الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأبيات أهدر دمه " فكتب إليه
بجيرة أخوه يخبره أن النبي قتل رجالا بمكة من كان يهجوه ويؤذوه ؛ وأشار
عليه بأن يقبل على النبي صلى الله عليه وسلم تائبا." ثم كتب إليه بهذه
الأبيات:
من مبلغا كعبا فهل لـك في التـي تلوم عليها باطلا وهي أحزم
إلى الله لا العزى ولا اللات وحده فتنـجو إذا كان النجاة وأسلم
لدى يوم لا تنجو وليس بملفـت من النار إلا طاهر القلب مسلم.
فقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال قصيدته هذه "فأشار النبي صلى الله
عليه وسلم أن اسمعوا شعر كعب إعجابا به ولذلك عفا عنه وكساه بردته..."
في ثنايا القصيدة:
1_دراسة سيميائية للقصيدة:
ا-سميائية العنوان: سميت القصيدة بالبردة نسبة إلى ثوب كان يرتديه النبي
صلى الله عليه وسلم فكساه لكعب بن زهير عقب انتهائه من أنشاد قصيدته في مدح
الرسول صلى الله عليه وسلم _بانت سعاد_ فكان للبردة شأن كبير في حياة كعب
بن زهير لأنها حولت حياته من إنسان كافر مطاردا مباح دمه ؛ إلى إنسان مسلم
مؤمن آمن مكرم ؛ فحملت معها معنى الوصف والأمن والأمان بعد خوف وشدة وإهدار
دم.
ب_سيميائية الأسماء: استهل الشاعر القصيدة بذكر اسم سعاد " واغلب الظن أن
سعاد ليست شخصية حقيقية ؛ فقد سمى الشاعر الجاهلي محبوبته رمزا لغويا واسما
فنيا وعنوانا موضوعيا ..."
فقد يكون كعب بن زهير قد استعمل هذا الاسم رمزا ؛ وتعمد وضعه في مطلع القصيدة تيمنا به ؛ فسعاد اسم مشتق من السعد والسعادة والإسعاد.
أما الإسم الثاني فجاء رمزا كذلك يقصد به أباه زهير بن أبي سلمى ؛ فقد ضمن
كعب اسم أبيه قبيل الأبيات التي جاءت فيها الحكمة؛ وقبل مدحه للنبي صلى
الله عليه وسلم؛ وكأنما كان يومئ إلينا أن أباه كان حكيما ؛ فأخذ الحكمة
منه ؛ ويذكر بمناقب أبيه في الجاهلية وكيف كان له الفضل في الإصلاح بين
القبيلتين.
ج_سيميائية الشخصيات: أور كعب بن زهير الشخصيات في لاميته على الترتيب
التالي: سعاد ؛ الناقة ؛ الوشاة؛ النبي صلى الله عليه وسلم ؛ المهاجرون.
1 سعاد: شخصية متقلبة من صفاتها الجمال ؛ اعتدال الطول ؛ اخلاف الوعد والهجران....
2 الناقة: حملت سعاد إلى أرض بعيدة ؛ كانت رفيقته ومؤنسته في رحلته الطويلة
؛ فكان من صفاتها : القوة ؛الغلظة ؛ الطول والقدرة على التحمل......
3 الوشاة: أغلب الظن أن يكون قد قصد بذلك أخاه بجيرة ؛ لأنه كان قد أنذره
بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ قتل كل من كان قد أوعده بالقتل وأباح دمه
من المشركين ؛ فقال له بأنه مقتول لا محالة.
4 الشاعر: شخصية متزنة وفي لوعوده على عكس محبوبته سعاد؛ لا يسمع كلام
الوشاة ؛ مؤمن بالقضاء والقدر ؛مؤمن بالموت ؛ يأمل العفو من الرسول صلى
الله عليه وسلم.
5 الرسول صلى الله عليه وسلم: من صفاته القوة فقد اقتص من كل من كان قد
أوعده ؛ ولكنه ورغم ذلك متسامح مع كل من اعتذر منه ويقبل العفو ؛ كما وصفه
بالشجاعة فهو تخافه السباع ؛ كلامه فاصل لا يرد ؛ كما أنه نور للمسلمين.
6 المهاجرون: أطاعوا الرسول صلى الله عليه وسلم حين آمنوا به وبرسالته ؛
أطاعوا أمره لهم بالهجرة إلى المدينة المنورة ؛ فلم تكن هجرتهم عن خوف أو
جبن منهم وإنما تنفيذا لأمره صلى الله عليه وسلم ؛ فهم أبطال المعارك شجعان
؛ لا يفرون من العدو في الغزوات ولا يجزعون إذا هزموا.
د_سيميائية الزمان اشتملت القصيدة على أحداث مختلفة حدثت في أزمنة ثلاث رئيسية:
1 الزمن الأول: شمل فترة ما قبل رحيل سعاد ؛ حيث "كان الشاعر يعيش في أمن و أمان و استقرار" ؛ وهو يشير إلى فترة ما قبل إهدار دمه.
2 الزمن الثاني: شمل فترة هجرة سعاد ؛ وهنا تبدأ معاناة الشاعر و آلامه
النفسية التي عانى منها؛ وشده الرحال على آثار سعاد ؛ وهو يشير إلى الفترة
التي عاشها منذ إهدار دمه حتى قدومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم تائبا
معتذرا.
3 الزمن الثالث: هي الفترة التي ألقى فيها القصيدة وفيها تحدث بصريح العبارة عن أمله في عفو النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
ه _سيميائية المكان: توزعت الأحداث على أماكن متفرقة ؛ وفي كل مكان منها إيحاءاته ودلالاته التي تدل عليه:
1 المكان الأول: هو مكان إقامة الشاعر ؛ وهو يشير إلى الاستقرار و الأمن والطمأنينة ؛ حيث كانت سعاد قريبة منه.
2 المكان الثاني: هو الطريق الذي سلكته سعاد في ابتعادها عن الشاعر وهجرها الديار؛ حيث عانى من القلق والاضطراب والخوف والحزن.
3 المكان الثالث: هو المكان الذي وقف فيه ليلقي قصيدته ؛ "وهو بالمسجد
النبوي في المدينة المنورة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم."
2_دراسة أسلوبية للقصيدة:
إذا كان الغرض الأساسي من القصيدة هو مدح الرسول صلى الله عليه وسلم
والاعتذار منه ؛ فإن صاحب القصيدة بدأها بالغزل ثم انتقل إلى وصف ناقته _
كما تعود الشعراء الجاهليون أن يفعلوا في قصائدهم _ ثم انتقل إلى الاعتذار
الذي من أجله نظم القصيدة.
وقد استغرق في المقدمة الغزلية ثلاثة عشر بيتا بدأها من:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يجز مكبول
واستمر فيها إلى غاية:
فلا يغرنك ما منت وما وعدت إن الأماني والأحلام تضليل.
فيما استغرق في الوصف ثمانية عشر بيتا من:
أمست سعاد بأرض لا يبلغها إلا العتاق النجيات المراسيل
إلى قوله:
تفري اللبان بكفيها ومدرعها مشقق عن تراقيها رعابيل.
أما الاعتذار والمدح فقد خص لهما أربع وعشرون بيتا ؛ سبعة منها للاعتذار والبقية في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم والمهاجرين.
يعد النهج الذي سلكه كعب بن زهير في قصيدته ؛ نهجا تقليديا في بناء القصيدة العربية في النقد القديم ؛ فاستهلها بالشكوى والغزل فقال:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يجز مكبول
فقد ألم في هذه المقدمة ب" ذكر فراقه لسعاد وارتحالها؛ ومرارة الألم ؛
واقتصر فيه على الناحية الإخبارية السردية." ثم انتقل إلى وصف محاسنها ؛
فشبهها بالغزال المكحول العينين والمنكسر الصوت ؛ أما في البيت الثالث فقد
وصفها من الناحية الجسدية وهنا اختلف في صحة هذا البيت ؛ فهناك من قال أنه
منسوب إليه " فلم يرد هذا البيت في الديوان وقد أثبته القرشي في الجمهرة."
ثم انتقل إلى وصف أسنانها وبريق ابتسامتها وفمها.
ثم بدأ يشكو من سوء ظنه بها وخداعها وإخلافها لمواعيدها شأنها شأن عرقوب
الذي ضرب به المثل في إخلاف المواعيد ؛ ومع ذلك بقي متمسكا بها وآملا أن
توفي بوعدها يوما ما.
ثم ذكر هجرها وبعدها عنه وأنها أصبحت بمكان لا يصل إليه إلا الإبل السريعة؛
واسترسل يصف الناقة بأنها صلبة قوية لا تعرف التعب والنصب...
ويظهر التأثر الحسي بالبيئة في هذين الموضعين : الأول في الغزل حيث شبه
محبوبته سعاد بالظبي في سواد عينيها ورقة صوتها ... وتظهر المؤثرات البيئية
بصورة أفضل في وصف الناقة التي تعلق بها كل العرب قديما ؛ وذلك أنها لعبت
دورا مهما في حياتهم المضطربة لكثرة أسفار والتنقل والترحال ؛ فكانت ناقته
وسيلته الوحيدة لربط وصاله بسعاد ؛ فناقته غليظة الرقبة ممتلئة تتميز عن
باقي النوق في عظم خلقها ؛ فخرج بذلك كعب عن عادات العرب في وصف الناقة
بالنحالة حتى تكون قادرة على السير السريع ف"هذا خطأ في الصفة لأنه قال هي
غليظة الرقبة ؛ وخير النجيات ما يدق مذبحه ويعرض منحره..." وقد أمعن في وصف
ناقته بدقة متناهية ؛ يجعل من المتلقي يرسمها في خياله...
ثم ذكر أقوال الوشاة وانذارهم له بأنه سيموت لا محالة؛ فهم عرفوا قدرة
الرسول صلى الله عليه وسلم على قتل كل من أهدر دمه فتخلوا عنه نجاة بأنفسهم
فقال:
يسعى الوشاة بجنبيها وقولهم إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول
وقال كل خليل كنت آمله لا ألفينك إي عنك مشغول.
فعبر عن أسفه عمن خيب أمله وتركه من الخلان وأنه مؤمن بقضاء الله في قوله:
فقلت خلوا سبيلي لا أبا لكم فكل ما قدر الرحمن مفعول.
ثم انتقل إلى غرضه من القصيدة وهو الاعتذار من الرسول صلى الله عليه وسلم راجيا منه العفو والرضا والرفق بحاله فقال:
أنبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول.
يقول البغدادي " هذا هو الغرض المقصود من هذه القصيدة وسائرها مقصود لهذا البيت وهو التماس العفو.."
ثم عبر عن خوفه وخشيته من الوقوف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن
هول الموقف الذي هو فيه فحتى الفيلة تضطرب لمثله ؛ وقد أتى بصورة الفيل
لأنه أضخم حيوان عرفته العرب حينما جاء به أبرهة لهدم الكعبة ؛ فبهر العرب
بذلك الحيوان الذي لم يرو بمثله من قبل قط .
ثم انتقل إلى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم فشبهه بالسيف المهند وهو أجود
أنواع السيوف عند العرب والبيت الأصلي الذي أتى به الشاعر هنا هو:
إن الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الهند مسلول
فأشار عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول من سيوف الله فكان أن أخذ بها الشاعر.
ثم اختتم القصيدة بمدح المهاجرين فقال له صلى الله عليه وسلم : "لو ذكرت الأنصار بخير فإن الأنصار لذلك أهل..." فقال كعب
من سره كرم الحياة فلم يزل في مقنب من صالح الأنصار
تزن الجبال رزانة أحلامهم وأكفهم خلف من الأمطار. ....
يتضح في أسلوب كعب بن زهير تأثره بمدرسة أبيه زهير بن أبي سلمى في الإصابة
في الاختيار والجودة والقدرة على التلاعب بالأفكار ؛ فكما اشتهر زهير في
الجاهلية بالحكمة
وتضمينها في ثنايا القصائد ؛ ها هو ذا كعب ينهج نهج أبيه ويرث تلك الميزة عنه حيث أظهر حكما في بردته :
فقلت خلي طريقي لا أبا لكم فكل ما قدر الرحمن مفعول
وقوله أيضا:
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوما على آلة حدباء محمول
حيث صور لنا معنى حتمية الموت وأنه لا بد لكل إنسان أجل هو لاحقه ؛ وقبر سائر إليه ليحويه ؛ مهما طال عمره وصحته وسلامته.
كما أننا لو أمعنا النظر في بعض الأبيات ؛ فإننا نحس بنفحة إسلامي في قوله مثلا :
................... فكل ما قدر الرحمن مفعول
وكأنما تشرب ذلك من قوله تعالى:"قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَهُ لَنَا." وفي قوله:
إن الرسول لنور يستضاء به ......................
من قوله تعالى: "يَوْمَ يَجْزِي اللَهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ.."
كما نجد آثار إسلامية في معاني القصيدة ؛ فقد تمثل بدروع داود عليه السلام الذي كان ماهرا وأول من صنع الدرع للحرب فقال :
...................... من نسج داود في الهيجا سرابيل
أما الألفاظ التي استعملها فقد كانت في مجملها ألفاظ غريبة عن عصرنا ؛ أقرب منها للجاهلية عن الإسلام فمثلا في قوله
قنواء في حرتيها للبصير بها عتق متين وفي الخدين تسهيل
"فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع هذا البيت قال
لأصحابه: من منطق تعليمي ما حرتاها؟ فقال بعضهم العينان وسكت البعض فقال
الرسول صلى الله عليه وسلم :هما أذناها نسبهما إلى الكرم."
وقد أورد في القصيدة الكثير من الألفاظ الدالة على الحركة منها: بانت ؛
رحلوا؛ مدبرة ؛ مقبلة ؛ تمشي ؛ قامت ؛ يسعى؛ أقوم ؛ زولوا ...كلها أفعال
توحي إلى الاضطراب والقلق وعدم ثبات نفسية الشاعر.
وحشد من الأوصاف والنعوت التي عبر بها عن أشياء محسوسة وأخرى معنوية ؛ ومن
ذلك وصف حالة قلبه الذي" غدا اليوم مضني لفراق سعاد ورحيلها ؛ ذليل حبها
محتبسا عندها من غير ما تنويل." فدل على ذلك ب: قلبي ؛ متبول ؛ متيم ؛ لم
يجز مكبول ..وهي صفات مفردة عائدة على مفرد هو القلب
أما البيت الثاني فكانت الصفة فيه جملة عائدة على موصوف مفرد هو سعاد فوصفا
ب"إلا أغن غضيض الطرف مكحول ؛ كما أتت القوافي في معظمها نعوتا وما إليها
وقد تأدى ذلك من وقوف الشاعر وصفيا."
فسعى كعب إلى اختيار الموسيقى الداخلية أو الإيقاع الداخلي للقصيدة ؛ ليظهر
لنا شعوره الداخلي وليجسد لنا واقعه ؛ فيبدأ الإيقاع الحزين للقصيدة مع
بدايتها واستعماله للقافية اللامية الملائمة مع إيقاع الضمة والواو التي
تسبقها يكسب اللام امتدادا أطول فيظهر أسى أعمق وحزن أكبر فكانت القافية
على أوزان ثلاث هي:
مفعول :مثل مكبول ؛ مكحول ؛ معلول ؛ مشمول ؛ مقبول....
مفاعيل:مثل يعاليل ؛ غرابيل ؛ أباطيل ؛ مراسيل....
تفعيل:مثل تسهيل ؛ تحليل ؛ تنعيل ؛ تزييل....
واختياره حرف اللام رويا لم يخرج عن نطاق ما لهذا الحرف من دلالة صوتية عن
الحزن والأسى فلم يخل بيت من هذا الحرف ليرد في جميع أبيات القصيدة مكررا
ثلاثمائة واثنين
مرة بما فيها القافية التي ظهر في بعضها مكررا مرتين ومنها: معلول ؛ يعاليل ؛ تضليل شمليل ؛ تهليل......
كما أعانه تكرار الألفاظ والحروف على التعبير عن الحزن العميق الذي كان
يعتري الشاعر ؛ والمتصل بالماضي الذي تمثل في رحيل سعاد عنه ؛ والممتد إلى
الحاضر وهو وقوفه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما كان استعماله للتشبيهات كثير منها ما جاء في البيت الثاني :
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول
"فالشاعر لم يتوسل لتشبيهه هنا شكله التقليدي ؛ وإنما أوحى به من المقارنة
بين الحبيبة والغزال ؛ كما أنه غالى به وهو يحاول أن يضفي عليه بعض الجدة
بتخصيصه في الغنة وغضاضة الطرف واكتحال العينين."
كما شبه الرسول صلى الله عليه وسلم بالسيف المهند وهو تشبيه بليغ حيث حذفت الأداة وصرح بالمشبه والمشبه به.
وقد تدفقت التشبيهات في القصيدة فمثلت عمود بناء الأفكار وروح نسجها فهو
"لا ير الأشياء ويحسها ويعبر عنها إلا عن طريق المخيلة المتدفقة التي تحول
العاطفة والفكرة إلى صورة تزاحم التعبير العاطفي بصورة حسية."
ومن الأساليب الإنشائية التي اعتمدها في القصيدة:
1التمني: في قوله:
ياويحها خلة لو أنها صدقت ما وعدت أو لو أن النصح مقبول
وكذلك في قوله:
أرجو وآمل أن يعجلن في أبد ومـا لهن طوال الدهـر تعجيـل
وهنا استعمل التمني بفعله المباشر أرجو آمل .
2 الحصر والاستثناء: في إذ رحلوا ؛ إلا أغن ؛ إلا تمسك ؛ إلا الأباطيل ؛ إلا العتاق ؛ إلا العذافرة.
3 الشرط: إذا توقدت ؛ إلا أن يكون له ؛ إذا نيلوا ؛ إذا عرد
4التوكيد: إن الأماني ؛ إنك مسبور ؛ إني عنك مشغول ؛ إنك يا ابن أبي سلمى؛ إن الرسول
5النفي والجزم: لم يجز ؛ لم أذنب ؛ لا يشتكى ؛ ما تدوم ؛ ما تمسك ؛ لا يغرنك ؛ لا يبلغها
؛ لن يبلغها ؛ لا أنازعه ؛ لا يحل له ؛ لا يفرحون ؛ ليسوا مجازيع.
أما المحسنات البديعية فقد تنوعت مابين :
الطباق في مجازيع / لا يفرحون ، قصر/طول ، أرى / أسمع ، أوعدني/ عفو
الجناس في متبول/ مكبول ، أخوها/أبوها
المقابلة في هيفاء مقبلة / عجزاء مدبرة
كما نرى عنده ما اعتاد عليه العرب في أساليبهم من عدم السير على وتيرة
واحدة في الكلام ؛ حتى لا يمل السامع وينصرف عن الاستماع فوظف ما اصطلح
عليه بالالتفات وهو الانتقال من الحديث عن المتكلم إلى المخاطب أو الغائب
والعكس مثل: إن رسول الله أوعدني حيث التفت من الغائب _رسول الله _ إلى
المتكلم _أوعدني.
هداك الذي أعطاك التفت من المخاطب إلى الغائب
كما قد يكون الالتفات بين بيتين أو أكثر مثل: أنبئت أن رسول الله أوعدني/
مهلا هداك الذي أعطاك التفات من المتكلم إلى الغائب إلى المتكلم إلى
المخاطب إلى الغائب إلى المخاطب.
جاءت القصيدة على وزن من أكثر الأوزان استعمالا لدى الشعراء الجاهليين وهو بحر البسيط وتفعيلاته:مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن×2
بانت سعاد فقلبي اليوم مبتول متيم إثرها لم يجز مكبول
/0/0//0///0/0/0//0/0/0 //0//0//0/0/0//0/0/0
مستفعلن فعلن مستفعلن فاعل متفعلن فاعلن مستفعلن فاعل.
وقد تأثر الشاعر بصورة مباشرة بعدد من الشعراء الجاهلين ومنهم النابغة الذي يقول:
بانت سعاد وأمسى حبلها انجذما واحتلت الشرع فلاأجزاع من إضما
ويقول الأعشى:
بانت سعاد وأمسى حبـلها رابا وأحدث النأي لي شوقا وأوصـابا
ولطفيل قصيدة لامية يصف فيها محبوبته يقول فيها:
هل حبل شماء قبيل البين موصول أم ليس للصرم عن شماء معدول
إذ هي أحوى من الربعي حاجبه والـعين بالإثـمد الحادي مكحول إن تمس قد سمعت قيل الوشاة بنا وكـل ما نطـق الواشون تضليل
فـما تجود بـموعود فتـنجـزه أم لا فيـأس وإعراض وتجمـيل.
خـاتـمـة:
هنا نحط الرحال معلنين عن نهاية رحلة هذا البحث ؛ ولكن من دون أن نغلق بابه
؛ هذا البحث الذي كان مدخله وفصوله الثلاثة تخص الحديث عن الشعر الجاهلي
وصدر الإسلام ؛ عن شعراء عاشوا في الحياة وغابوا عنها ؛ فسجلتهم ذاكرة
التاريخ وخلدهم شعرهم ؛ هؤلاء الشعراء عاشوا عصرين مختلفين اختلاف الليل
والنهار؛ والحديث عن هذين العصرين هو حديث عن قرابة قرنين من الزمن ؛
والإبحار فيهما قادنا إلى شاطئ النتائج التالية:
1_ الشعر الجاهلي وجد من العوامل البيئية والبشرية التي تلاحمت فيما بينها
لتكون الأرضية الخصبة التي ولد وتطور فيها هذا الجنس الأدبي.
2_ بلغ الشعر في الجاهلية مراتب عليا عند العرب ؛ وخص الشعراء بمكانة مرموقة وسط القبائل العربية فكان لكل منها شاعرها الخاص.
3_ خصصت للشعر أسواق شعرية سنوية ؛ كانت تقام في كل أنحاء الجزيرة العربية ؛
حيث كان يتنافس ويتناقد فيها الشعراء وكان أهمها سوق عكاظ.
4_ التزم الشعراء عمود الشعر في بناء قصائدهم ؛ فكان على الشاعر التقيد
بمراحل يجب عليه المرور بها في قصيدته تبدأ بالمقدمة –على اختلاف نوعها
غزلية أو طللية- ثم غرض القصيدة وينتهي بخاتمة.
5_ بمجيء الإسلام تراجعت مكانة الشعر ؛ وذلك مع بداية الدعوة الإسلامية
بسبب اشتغال الشعراء عن الشعر وتفرغهم إلى القرآن الكريم الذي بهرهم بيانا
وبلاغة.
6_ كان موقف القرآن الكريم ؛ والرسول صلى الله عليه وسلم ؛ والصحابة رضي
الله عنهم موقفا مؤيدا لرسالة الشعراء المسلمين ؛ الذين مثلوا رمح الكلمة
في ذلك العصر فشجعه الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر به ؛ كما كان أغلب
الصحابة شعراء دافعوا عن الإسلام بشعرهم.
7_ كان أثر الإسلام واضحا على الشعر؛ حيث بلور أسلوبا جديدا فيه تمثل في
اقتباس الشعراء من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ؛ مما ولّد لغة
شعرية سهلة ؛ وأسلوب قرآني بلغة شعرية .
8_ غابت بعض الأغراض عن الساحة الشعرية كالهجاء المقذع والغزل الفاحش لأن
الإسلام حرمها وفي المقابل ظهرت أغراض جديدة في الساحة كالزهد والورع
والفتوح وكانت من اهتمامات الشعراء الأولى ؛ لأن مقتضيات ذلك العصر أوجدتها
وألزمتها.
9_ كانت السمة الغالبة على شعر المخضرمين القصر ؛ مما أوجب التخلي عن
المقدمات وعن الانتقال من غرض إلى غرض داخل القصيدة الواحدة ؛ فتغير بذلك
شكل القصيدة وصارت القصائد الإسلامية تتميز بالوحدة الموضوعية .
10_ قصيدة البردة لكعب بن زهير اندرجت ضمن إطار القوالب العامة لقصائد
الشعر الجاهلي ؛ حيث حملت من شكله وأغراضه وألفاظه ما جعلها تتصف به ؛ فمن
شكله كان فيها المقدمة والغرض والخاتمة ؛ ومن أغراضه حضر الغزل والوصف
والعتاب والاعتذار والمدح ؛ ومن ألفاظه وجدنا الفخامة وبعض الغرابة .
11_كان لقصيدة البردة أهمية كبيرة في الآداب العالمية فصالت وجالت بلدان
العالم واكتست من كل بلد لغة شعبه فترجمت للغات عدة من لغات العالم.
وهنا ترسو بنا سفينة أبحرت بنا في بحر العلم الحقيقي ، تقف بنا هنا لنختم
بحثنا ، وقفة لا يختتم العلم بها ؛ بل لننهي ما استطعنا نهله من جوف الكتب
التي لا قاع لها .
فالحديث عن كـل مجالات الشعر الإسلامي لا يحده حد، و لا تسعه مصنفات، و لا
يكفيه مداد البحر ولو جئنا بمثله مددا ، بل هي في حاجة إلى أن يتفرغ لها
الباحثون.
ولكن ضخامة الجهد المطلوب و سعة الميادين المفتوحة للدراسة والبحث ؛ لا
تمنعـنا أن ندلي بجهدنا المتواضع الذي أردنا فيه أن نشابه أهله وإن لم
نشابه أدناهم .لا نبغي به أكثر من أن يكون مجرد إشارات لعلها تحفز أهل
الدراية والمراس، إلى أن يبحثوا و يخرجوا عن إطار التقليد الذي جمد
الدراسات فجمدت بدورها البحوث والعقول الناشئة ، فما أصبحت دراساتنا إلا
اجترارا و ترجيعا .
وعسى الله أن يجعل في عجز القصور قبولا ، و في قصور العجز منالا.
فإن أصبنا فمن الله و إن أخطأنا فمن أنفسنا .
فهرس المصـادر والمـراجع
قائمة المصادر والمراجع:
القرآن الكريم برواية ورش عن نافع.
1/ أحمد الأمين الشنقيطي ؛المعلقات العشر وأخبار قائليها؛ مكتبة الخانجي القاهرة ؛ ط3؛1993.
2/ أحمد شاكر ؛عمدة التفاسير عن الحافظ بن كثير؛ دار الوفاء للنشر مصر ؛ ط2؛ 2005.
3/ أحمد شاكر غضيب؛ أثر الإسلام في بناء القصيدة العربية؛ دار الضياء للنشر والتوزيع الأردن؛ ط1؛2003.
4/ أحمد الشايب ؛ تاريخ النقائض؛ مكتبة النهضة العربية ؛ ط2؛1962.
5/ أحمد محمد الإسكندري ؛ المفصل في تاريخ الأدب العربي؛ مكتبة الآداب القاهرة.
6/ أحمد الهاشمي ؛ جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب؛ منشورات دار المعارف ؛ط2.
7/ أدونيس ؛ديوان الشعر العربي ؛ منشورات المكتبة العصرية بيروت؛ ط1 1964؛ج1.
8/ أدونيس ؛ الشعرية العربية؛ دار الآداب بيروت؛ ط3 2003.
9/ الأصمعي ؛ فحول الشعراء ؛ دار الكتاب العربي ؛ لبنان ؛ 1971.
10/ إقبال بركة ؛ الحب في صدر الإسلام ؛ دار قباء للطباعة والنشر ؛ القاهرة ؛ 1998.
11/ الألوسي ؛ بلوغ الأرب ؛ تح محمد الفاضل ؛ دار الإمام مالك الجزائر ؛ ط4 2003 ؛ج7.
12/ إيليا الحاوي في النقد والأدب مقطوعات من العصر الإسلامي والأموي ؛ دار الكتاب اللبناني ؛ ط5 1986.
13/ إيميل ناصيف ؛ أروع ما قال الشعراء العرب الحكماء ؛ دار الجيل بيروت .
14/ البخاري ؛ صحيح البخاري ؛ شركة الشهاب الجزائر ؛ ط7 1991 ؛ج6.
15/ بطرس البستاني ؛ أدباء العرب في الجاهلية والإسلام ؛ دار مارون عبود لبنان ؛ 1986 ج1.
16/ الجاحظ ؛ البيان والتبيين ؛ تح محمد عطا الله ؛ مطبعة الخانجي القاهرة.
17/ الجاحظ ؛ الحيوان ؛ تح عبد السلام هارون ؛ دار الجيل بيروت ؛ 1992؛ج1.
18/ عبد الجليل الأحمدي ؛ شرح قصيدة بانت سعاد ؛ دار المعارف مصر ؛ 1982.
19/ جمال الدين بن الشيخ ؛ الشعرية العربية ؛ ترجمة محمد الوالي وآخرون ؛ دار توبقال المغرب ؛ ط1.
20/ حنا الفاخوري ؛ تاريخ الأدب العربي ؛ مطبعة الرسالة القاهرة .
21/ خالد يوسف ؛ في النقد الأدبي وتاريخه عند العرب ؛ المؤسسة الجامعية ؛ ط1 1987.
22/ ابن خليفة عليوي ؛جامع النقول في أسباب النزول ؛ مطابع الإشعاع ؛ ط1 1404ﻫ ج2.
23/ عبد الرحمن بن خلدون ؛ المقدمة ؛ دار الشعب مصر.
24/ عبد الرحمن خليل إبراهيم ؛ دور الشعر في معركة الدعوة الإسلامية أيام
الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر ؛
1971.
25/ عبد الرحمن السعدي ؛ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ؛ تقديم الشيخ العثيمين ؛ مكتبة الصفا.
26/ ابن رشيق القيرواني ؛ العمدة في محاسن الشعر ؛ تح عبد الواحد شعلان ؛ مكتبة الخانجي القاهرة ؛ 2000 ؛ ج1.
27/ ابن رشيق القيرواني ؛ العمدة في محاسن الشعر ؛ تح عبد القاهرة عطا ؛ دار الكتب العلمية لبنان ؛ ط1 2001؛ ج2.
28/ زبير دراقي ؛ المستقصي في الأدب الإسلامي ؛ ديوان المطبوعات الجامعية ؛ الجزائر 1995.
29/ أبو زيد القرشي ؛ جمهرة أشعار العرب ؛ الطباعة الشعبية للجيش الجزائر ؛ 2007.
30/ أبو زيد القرشي ؛ جمهرة أشعار العرب ؛ تح علي البجاوي ؛ دار النهضة مصر.
31/ سعد بوفلاقة ؛ شعر الصحابة دراسة موضوعية الفنية ؛ منشورات بونة للأبحاث الجزائر ؛ ط1 2007.
32/ ابن سلام الجمحي ؛ طبقات فحول الشعراء ؛ طبع دار المعارف.
34/ السيوطي ؛ المزهر في علوم اللغة ؛ تح محمد جاد ؛ المكتبة العصرية بيروت ؛ 1986.
35/ شكري فيصل ؛ تطور الغزل بين الجاهلية والإسلام ؛ دار العلم للملايين بيروت؛ ط5.
36/ شوقي ضيف ؛ تاريخ الأدب العربي العصر الإسلامي ؛ دار المعارف القاهرة ؛ط6.
37/ شوقي ضيف ؛ التطور والتجديد في الشعر الأموي ؛ دار المعارف مصر.
38/ الطبري ؛ تفسير الطبري ؛ مطبعة البولاق ؛ 1325ﻫ ؛ ج19.
39/ الطبري؛ جامع البيان في تفسير القرآن ؛ مطبعة البولاق ؛ 1963 ؛ ج23.
40/ عبده بدوي ؛ دراسات في النص الشعري ؛ دار قباء للطباعة والنشر القاهرة ؛ 2000.
41/ عثمان الخميس ؛ كنوز السيرة ؛ غراس للنشر والتوزيع الكويت ؛ ط2 2007.
42/ عبد العزيز معتوق ؛ تاريخ النقد الأدبي عند العرب ؛ دار النهضة العربية بيروت ؛ ط4 1977.
43/ عبد العزيز عبد المنعم خفاجي ؛ التفسير الإعلامي للأدب العربي ؛ دار الجيل بيروت ؛ ط1 1991.
44/ علي بن محمد ؛ الشواهد النقدية من العصر الجاهلي إلى عصر التأليف ؛ ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ؛ ط2 1993.
45/ فؤاد أفرام البستاني ؛ الشعر الجاهلي نشأته فنونه ؛ المطبعة الكاثوليكية بيروت ؛ 1937.
46/ عبد الفتاح النشاطي ؛ شعراء إمارة الحيرة في الجاهلية ؛ دار قباء للنشر والتوزيع القاهرة ؛ ط2 1999.
47/ ابن قتيبة ؛ الشعر والشعراء ؛ وزارة الثقافة الجزائر ؛ 2007 ؛ ج1.
48/ قدامة بن جعفر ؛ نقد الشعر ؛ تح عبد المنعم خفاجي ؛ دار الكتب العلمية لبنان.
49/ ابن كثير ؛ البداية والنهاية ؛ دار الإمام مالك الجزائر ؛ ط1 2006 ؛ ج
50/ أبو عبد الله الزوزني ؛ شرح المعلقات العشر ؛ نشر الدار العلمية بيروت ؛ 1993.
51/ محمد إبراهيم جمعة ؛ نوابع الفكر حسان بن ثابت ؛ دار المعارف مصر .
52/ محمد بن رياض الأثري ؛ ومضات نيرات في حياة الصحابة والصحابيات ؛ عالم الكتب بيروت ؛ ط1 2003.
53/ محمد عزام ؛ قضية الالتزام في الشعر العربي ؛ دمشق ؛ ط1 1989.
54/ محمد علي حسن ؛ من العصر الجاهلي إلى العصر العباسي ؛ دار النهضة بيروت ؛ 1980.
55/ محمد علي أبو حمدة ؛ في التذوق الجمالي لبانت سعاد ؛ مكتبة الأقصى عمان ؛ ط1 1989.
56/ محمد علي الصباح ؛ كعب بن زهير حياته وشعره ؛ دار الكتب العلمية لبنان ؛ 1990.
57/ محمد علي الصابوني ؛ صفوة التفاسير عن الحافظ بن كثير ؛ دار القرآن الكريم بيروت؛ ج2 .
58/ محمد عبد المنعم خفاجي و صلاح الدين عبد الصبور ؛ الحياة الأدبية في عصري الجاهلية وصدر الإسلام ؛ مطبعة الحلبي بيروت ؛ ط2 1980.
59/ محمد مرتاض ؛ مفاهيم جمالية في الشعر العربي القديم ؛ ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ؛ 1998.
60/ محمد هدارة ؛ الشعر في صدر الإسلام والعصر الأموي
61/ مي يوسف خليف ؛ النثر الفني بين صدر الإسلام والعصر الأموي ؛ دار قباء للطبع والنشر القاهرة ؛ 1987.
62/ ناصر الدين الأسد ؛ القيان والغناء في الجاهلي ؛ دار المعارف مصر ؛ ط2 1968.
63/ ناصر الدين الأسد ؛ مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية ؛ دار الجيل بيروت ؛ ط4 1969.
64/ نور الدين السد ؛ الشعرية العربية ؛ ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ؛ 2007.
65/ عبد الواحد شعلان ؛ الحياة الأدبية في عصر النبوة والخلافة ؛ دار قباء القاهرة ؛ ط2 1999.
66/ ابن هشام ؛ السيرة النبوية ؛ دار إحياء التراث القاهرة ؛ 1936 ؛ ج1 ؛ ج2 ؛ ج3 ؛ ج4.
67/ ابن هشام ؛ السيرة النبوية ؛ تح محمد قطب ؛ المكتبة العصرية لبنان ؛ 1998 ؛ ج3.
68/ هاشم صالح مناع ؛ بدايات في النقد الأدبي ؛ دار الفكر العربي بيروت ؛ ط1 1994.
69/ ياقوت الحموي ؛ معجم الأدباء ؛ دار الكتب العلمية بيروت ؛ ط1 1991 ؛ مجلد 5.
70/ يحي الجبوري ؛ الإسلام والشعر ؛ مطبعة الإرشاد بغداد ؛ 1964.
71/ يوسف خليف ؛ دراسات في الشعر العربي ؛ دارغريب للطباعة والنشر القاهرة.
الدواوين:
72/ ديوان جرير ؛ تح نعمان أمين طه ؛ دار المعارف مصر ؛ 1971.
73/ ديوان حسان بن ثابت ؛ شرح يوسف عيد ؛ دار الجيل بيروت ؛ ط1 1992.
74/ ديوان الحطيئة ؛ تح نعمان أمين طه ؛ القاهرة ؛ 1974.
75/ ديوان زهير بن أبي سلمى ؛ جمع يوسف بن عيسى ؛ مطبعة برلين ؛ 1989.
76/ ديوان طرفة بن العبد ؛ تح كرم البستاني ؛ دار صادر بيروت ؛ 1930.
77/ ديوان عبيد الأبرص ؛ تح حسين نصار ؛ مطبعة الحلبي ؛ ط1 1957.
78/ ديوان علي بن أبي طالب ؛ تقديم صلاح الدين الهواري ؛ مكتبة الهلال بيروت ؛ ط1 2003.
79/ ديوان علي بن أبي طالب ؛ جمع عبد العزيز الكرم ؛ المكتبة الثقافية .
80/ ديوان عنترة العبسي ؛ تح محمد مولوي ؛ المكتب الإسلامي ؛ ط2 1983.
81/ ديوان كعب بن زهير ؛ تح علي فاعور ؛ دار الكتب العلمية بيروت ؛ 1997.
82/ ديوان كعب بن مالك ؛ طبعة المعارف ؛ بغداد ؛ 1966.
83/ ديوان امرؤ القيس ؛ جامعة الملك سعود المملكة العربية السعودية ؛ 1957.
84/ ديوان النابغة الجعدي ؛ المكتب الإسلامي ؛ دمشق ؛ 1964.
85/ ديوان النابغة الذبياني ؛ مطبعة الهلال؛ مصر ؛
ان شاء الله يستفيد منها الجميع
>>>انتهى<<<
- ياسمين31
- مســآهمآتي : 78
تاريخ التسجيل : 19/01/2013
العمر : 27
رد: مذكرة تخرج بناء القصيدة في صدر الإسلام 2013 2014
الخميس يناير 24, 2013 5:22 pm
merciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii
- Ahmed Vekoالمدير العام
- مســآهمآتي : 847
تاريخ التسجيل : 14/12/2013
العمر : 36
رد: مذكرة تخرج بناء القصيدة في صدر الإسلام 2013 2014
الإثنين يناير 13, 2014 5:55 pm
مشكوووووووووووووووووووور
- ℓįƒẹ’ṧ şฝęęτطالب نشيط
- مســآهمآتي : 356
تاريخ التسجيل : 07/03/2014
رد: مذكرة تخرج بناء القصيدة في صدر الإسلام 2013 2014
الأحد مايو 04, 2014 12:33 pm
thx
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى